فبعد نجاح دول الربيع العربي بإسقاط رموز الدكتاتورية والفساد والخيانة ووصول الوطنيين من إسلاميين وغيرهم في عدة دول منها إلى الحكم وأبرزها بكل تأكيد في مصر عادت هذه الدول إلى بؤرة الاهتمام العربي والعالمي على حد سواء، وحين نتحدث عن مصر فإننا نتحدث عن دولة ذات بعد استراتيجي مهم في المنطقة العربية، ويزيد من أهميتها وجود حدود مشتركة لها مع الكيان الصهيوني، مما يزيد من مخاوف الغرب من المستقبل القريب والبعيد، خاصة إذا ما أضفنا إلى ذلك عدم استقرار الحدود الشمالية للكيان الصهيوني المحاذية لسورية واحتمال حدوث فراغ أمني هناك بأي لحظة بالتزامن مع سقوط نظام الأسد الذي بات وشيكاً بحسب كثير من المراقبين…
سقوط نظام الأسد وما سيرافقه من خلل أمني في المنطقة الشمالية للكيان الصهيوني خاصة مع وصول وطنيين إلى الحكم في سورية ما بعد الأسد، مع سيطرة الوطنيين من إسلاميين وغيرهم على الحكم في مصر سيشكل كابوساً مؤرقاً للصهاينة يدفعهم لدراسة الوضع الجديد في المنطقة العربية ليل نهار، وهذه الدراسة لا يمكن أن تتم دون بالونات اختبار لقياس ردود فعل الحكام الجدد في مصر، كان أولها في سبتمبر من العام الماضي حين أقدم الجيش الإسرائيلي على قتل ستة جنود مصريين، ما أدى حينها إلى اقتحام متظاهرين مصريين مقر السفارة الإسرائيلية يوم التاسع من سبتمبر الماضي، وكادت الأمور أن تسير بصورة تصعيدية كبيرة لولا تدارك جميع الأطراف للحدث والتخفيف من حدة الأزمة حينها…
الآن وبعد أقل من عام من تلك الحادثة، أراد الإسرائيليون على ما يبدو إرسال بالون اختبار جديد لمعرفة مدى سيطرة الرئيس المصري الجديد محمد مرسي على الحكم ولإحراجه أمام شعبه والقوى الإسلامية الأخرى في الساحة المصرية، وما يعزز الشكوك بضلوع الإسرائيليين في تلك العملية هو طلبهم من الصهاينة بالخروج من سيناء قبيل العملية بفترة زمنية قصيرة…
إنّ وقوع عملية سيناء الأخيرة في هذا الوقت تحديداً لا يمكن فهمه إلا كأولى العقبات التي يضعها الإسرائيليون في مسيرة الرئيس المصري الجديد محمد مرسي، استغلها واستثمرها منافسوه والمعارضون لوصوله سواء من فلول النظام السابق أو حتى من القوى السياسية الأخرى التي لم يرق لها وصول إسلامي كالدكتور محمد مرسي إلى سدة الحكم في مصر، فكان من فصول الاستثمار لهذا الحدث تلك المظاهرات التي وزعت الاتهامات للرئيس ومناصريه بشكل غير بريء كما يرى المراقبون…
والخشية في هذه الحادثة هي أن تكون مقدمة لمجموعة أخرى من الحوادث المفتعلة لعرقلة عمل هذه الحكومة الوليدة واختلاق الأزمات المتتالية لها لإفشالها وبالتالي إظهار التيار الإسلامي في مصر بمظهر الضعيف غير القادر على توفير الأمن في البلاد فضلاً عن إدارتها بنواحيها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية…
لكن وبغض النظر عن مفتعل هذه الأزمة وما كان يخطط له من أهداف خبيثة إلا أنّ الأزمة كانت فرصة للرئيس محمد مرسي ليثبت أنّه رجل دولة بامتياز، فكان تفاعله مع الحدث سريعاً، وذلك باتخاذه مجموعة من الإجراءات التي تؤكد قدرته على ممارسة صلاحياته على عكس ما كان يروج له منتقدوه، فأقال مدير جهاز الاستخبارات العامة وقائد الشرطة العسكرية ومحافظ شمال سيناء وقائد الحرس الجمهوري، بالإضافة إلى عدد من القيادات الأمنية بوزارة الداخلية، فكانت نتائج هذه العملية عكسية، حيث استطاع الرئيس محمد مرسي إثبات وجوده وقدرته على اتخاذ إجراءات حاسمة وفعالة، رغم حديث عهده بمنصبه…
كما أنّ مفتعلي هذه الحادثة فشلوا في إحداث شرخ بين القيادة المصرية الجديدة ونظيرتها في غزة، وذلك بحكمة العقلاء في كلا الجانبين، مما يؤكد على نجاح فريق الرئيس محمد مرسي في إدارة أول أزمة كبيرة تمر عليهم وإفشال كل ما أراده مخططو تلك الحادثة من أهداف خبيثة… ويمكننا أن نعزو هذا النجاح إلى الالتحام الشعبي بهذه القيادة المنتخبة رغم وجود تيار يريد لهذه القيادة الفشل لأهداف خبيثة…
إذن عادت نتائج هذه الحادثة بشكل إيجابي للقيادة المصرية الجديدة وللمسيرة الديمقراطية في في مصر ما بعد الديكتاتورية مما سيجعل هذه التجربة ملهمة لشعوب المنطقة عامة وللشعب السوري خاصة، ذلك الشعب التواق لهذه المرحلة ما بعد إسقاط نظامه المتهالك بالهمة القوية لأبناء سورية وبدعم أصدقاء هذا الشعب الحقيقيين من قيادات دول الربيع العربي الذين عانوا من الظلم ما عاناه إخوانهم في سورية…