فماذا يقول شبيحة النظام المنبثين داخل سوريا وخارجها، والذين ينافحون عنه بكل ما أوتوا من قوة وبلاغة؟!
عملية الانشقاق استغرقت شهورا من الإعداد. هذا ما قاله المقربون من رياض حجاب وقادة الجيش الحر، ما يعني أن المسؤولين السوريين بكافة أشكالهم هم عبارة عن رهائن بيد النظام يحاصرهم الحرس الجمهوري بدعوى الحماية كي يحول بينهم وبين التفكير في الانشقاق!!
لم يخرج الرجل إلا بعد أن أمّن أفراد عائلته الكبرى وليس الصغرى فقط، ما يعني أن النظام لا يأخذ المسؤولين رهائن لديه، وإنما يأخذ عائلاتهم رهائن أيضا، ونعلم أن أحدا لا يمكنه التضحية بعائلته، كما نعلم أن جحافل الشبيحة والحرس والمخابرات يشددون الرقابة على الجميع.
أقسم أنه لو منح النظام مهلة أسبوع واحد لمن أراد الانشقاق عنه كي يخرج هو وعائلته لما بقي معه غير جزء يسير من بنيته الطائفية، وأقول جزء لأن كثيرا من العلويين لن يبقوا معه، لاسيما غير العسكريين منهم، هم الذين يدركون أنه يخوض معركة عبثية لا أفق لها على الإطلاق.
لولا إسناد إيران التي تتدخل في مفاصل النظام وتدير المعركة وتوجه الوحدات المقاتلة، وهي ذاتها التي تقنع بشار ومن حوله بإمكانية الانتصار لانتهى كل شيء سريعا، ولجرى تجنيب البلد المزيد من الموت والدمار.
إننا لا نبالغ حين وضعنا عنوان المقال، إذ لا يستبعد أن يكون الإسناد الإيراني والبنية الأمنية والعسكرية والطائفية التي تحيط ببشار الأسد هي التي تحول بينه وبين الموافقة على عروض “الخروج الآمن” التي قُدمت له من العرب وتركيا، فالرجل ليس خارق الشجاعة لكي يختار القتال حتى النهاية؛ هو الذي لا يحتاج لكثير من العقل والمنطق حتى يدرك أن انهيار نظامه لا يعدو أن يكون مسألة وقت لا أكثر.
حتى متى يستطيع النظام أخذ مسؤوليه وعائلاتهم رهائن؟ وحتى متى يستطيع الإبقاء على عشرات الآلاف من الضباط والجنود رهائن في وحداتهم العسكرية لا يشاركون في القتال خشية الانشقاق، بينما يكتفي باستخدام الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد إلى جانب الحرس الجمهوري مع مضموني الولاء من الجنود والضباط؟!
نعلم أنهم سيقولون إننا نتحدث بروحية طائفية، ولكن ما بات واضحا هو أن البنية السنية قد خرجت من دائرة الأسد، ولم يبق معه غير البنية العلوية، أو الجزء المقتنع بالمعركة منها، إلى جانب نسبة من بعض الأقليات الأخرى. وقد أصبح كل سني في دائرة الشك تراقبه البنية الأمنية الطائفية.
ليست المسألة طائفية بالضرورة، بل هي منطقية، إذا أن عاقلا لا يمكن أن يعتقد أن النظام سيبقى، والغريب أن بعض النخب اليسارية والقومية في بعض الدول العربية ما زالت تعتقد أن النظام سينتصر على الإرهاب، ومن ورائهم إيران وحزب الله، لكن الواقع يصفعهم جميعا، وجاء انشقاق رياض حجاب ليشكل الصفعة الأكبر على وجوههم بعد عملية مبنى الأمن القومي، فالأمر لا يتعلق برئيس وزراء ومعه عدد من المسؤولين الحكوميين والأمنيين فحسب، بل بعملية معقدة تثبت تداعي النظام واقتراب انهياره.
نكتب الآن، وقد سمعنا ونتوقع أن نسمع الكثير من الهراء من قبل النظام وشبيحته في الداخل والخارج بخصوص انشقاق رياض حجاب (قيل إنه أقيل!!)، لكن أي كلام يمكن أن يقولوه لن يداري حجم الخيبة التي يشعرون بها والارتباك الذي يتلبسهم.
فالمسألة هنا لا تتعلق بسفير سيتهمونه بالفساد أو القول إنه مجمد أو إنه لم يكن سفيرا بل مجرد قائم بالأعمال أو قنصل أو موظف، بل يتعلق برئيس الوزراء.
على الذين يحرصون على سوريا أن يطالبوا هذا النظام بسرعة الرحيل وتجنيب البلاد مزيدا من الدمار، أما تشجيعه على العناد والمضي في مسيرة القتل، فيمثل جريمة يتحملون مسؤوليتها معه، ونعني هنا إلى جانب الشبيحة إيران على وجه الخصوص، وكذلك حال روسيا والصين (ننتظر تصريحات لافروف، الناطق باسم التحالف الشيعي!! ألم يحذر من الدولة السنية؟!).
سوريا الشعب تتنظر إعلان الانتصار. صحيح أن اليوم التالي سيبقى برسم الأسئلة، لكن ذلك لا يقلل من قيمة الانتصار، فما من ثورة مرت بيضاء معقمة، ومن الطبيعي أن تكون هناك خلافات ومشاكل وفوضى، لكن ذلك كله ثمن ضروري للتخلص من الديكتاتورية والفساد.