للتذكير، وحتى لا يخرج علينا أصحاب فزاعات الطائفية صارخين كعادتهم، فإن الذين أعدموا في حلب لم يكونوا من العلويين، وإنما ينتمون لعشيرة بري السنية المساندة للنظام، والتي يُتهم بعض أبنائها بالعمل ضمن مجموعات الشبيحة، لاسيما الذين اشتهروا كما يقول أهل المنطقة بتهريب المخدرات وترويجها.
صحيح أن هناك عمليات أخرى استهدفت علويين أيضا، لكن ذلك لم يكن يتم على أساس طائفي، بل على أساس عملهم في سلك التشبيح الذي يصيب السوريين أكثر من عمليات الجيش؛ هو الذي ينطوي على انتهاكات بشعة من لون الذبح بالسكاكين والاغتصاب وقتل الأطفال. وقد سجلت وكالات الأنباء عددا من الحالات الفردية والجماعية التي تثير الغثيان لفرط إجرامها وبشاعتها، كما روى اللاجئون في تركيا والأردن وقائع تشيب لهولها الولدان من عمليات الإجرام التي نفذها أولئك، وكثير منهم ينتمون للطائفة العلوية وجرت تعبئتهم بروحية طائفية مقيتة لكي يواصلوا عمليات الإجرام بهدف ترهيب الناس ومنعهم من المشاركة في الثورة أو احتضان الثوار.
كل ذلك لا يعني بأي حال تأييد عملية الإعدام المشار إليها، ولا أية ممارسات مماثلة كما هو حال اختطاف مذيع وقتله. وقد كان المجلس الوطني السوري الذي يمثل أكثر أطياف المعارضة وأهمها موفقا عندما أدان عملية الإعدام دون تردد.
الثوار السوريون كما يعلم الجميع ليسوا فرقة واحدة تأتمر بأمر قيادة موحدة، مع أن الجزء الأكبر منهم ينتمون للجيش الحر. كما أنهم في نهاية المطاف بشر لهم مشاعرهم وكثير منهم تعرض أهله للقتل والاعتقال والتعذيب، فضلا عما هو أبشع من ذلك من الانتهاكات، ومن الطبيعي أن يتعامل بعضهم بمنطق الثأر. لكن ذلك شيء والسلوك العام للثورة شيء آخر.
ما ينبغي قوله قبل كل شيء هو أن ما سجلته الصحافة الأجنبية من انتهاكات نسبت للثوار لا يأتي نقطة في بحر ما ارتكبه النظام وشبيحته من جرائم، لكن ذلك لا يعني بحال غض النظر عنها، ليس من أجل صورة الثورة ونبل أهدافها فحسب، بل لأن ثورة لم تحقق انتصارها بعد، ما يجعلها معنية بكسب قلوب الناس على نحو أكبر.
هنا ينشأ بُعد آخر يتعلق بالمناطق التي يسيطر عليها الثوار، والتي يتوقع منهم أن يقدموا فيها نموذجا للتسامح والمحبة وخدمة الناس وليس السيطرة عليهم بالقوة والترهيب. وقد كان رائعا أن يقوم رجال الجيش الحر بعمليات تنظيف للمناطق التي سيطروا عليها من مدينة حلب، هي التي كان النظام قد ترك القمامة فيها دون جمع منذ مدة طويلة.
نشير في هذا السياق إلى بعض المجموعات الإسلامية القادمة من الخارج، والتي ينتمي إليها شبان سوريون متحمسون أيضا، وهؤلاء قد يبادر بعضهم إلى ممارسات تنطوي على بعض التشدد الديني، الأمر الذي سينفر الناس؛ لاسيما أننا في سوريا ذات التعدد المذهبي والطائفي، وليس في الصومال. وإذا كانت الممارسات المتشددة مرفوضة في الصومال، فإنها في سوريا أكثر رفضا بكثير، وهو جانب ينبغي أن يتنبه إليه الثوار، وكذلك المقاتلون الإسلاميون القادمون من الخارج.
إن الثورات لا تتعامل بمنطق الثأر الشخصي أو القبلي، بل بمنطق التسامح، والأمور لا تؤخذ بمنطق الجائز وغير الجائز، بل بمنطق المصالح والمفاسد، فأيما ممارسة كانت المفاسد المترتبة عليها أكثر من المصالح فينبغي تركها دون تردد.
ثورة الشعب السوري ثورة رائعة قدمت أعظم البطولات والتضحيات، وهي تستحق أن يتم الحفاظ على صورتها الزاهية، ولا ينبغي للثوار أن يتورطوا فيما يتورط فيه النظام المجرم. هذا ما نتوقعه من رجالها الأبطال، لاسيما أنها ثورة لم تكمل انتصارها بعد، وهي في أمس الحاجة لالتفاف الناس من حولها.