إعداد عبد الرحمن السراج
شهد النصف الأول من العام 2011 بعضاً من أعظم التحولات الاجتماعية والسياسية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، بدءاً بالاحتجاجات في تونس والإطاحة ببن علي، ثم انتشار زخم ثورات الربيع العربي في مصر واليمن وليبيا وسوريا ليشمل ربما في نهاية المطاف معظم دول العالم العربي. وتقودنا دراسة بعض المؤشرات السياسية إلى أن هذه الثورات لم تكن لتعصف بالبلدان على سبيل المفاجأة والصدفة؛ فقد قادت سياسات الخوف الممارسة من قبل الأنظمة العربية إلى جانب الغياب المطلق للممارسات الديمقراطية إلى استياء وكراهية متزايدة تجاه هذه الأنظمة، أدت بدورها إلى اندلاع هذه الثورات التي أدخلت بعض الدول في مرحلة انتقال نحو الديمقراطية بينما لا تزال دول أخرى تناضل ضد أنظمتها الوحشية[1].
وعلى الرغم من نجاح الثورتين التونسية والمصرية في الإطاحة ببن علي وحسني مبارك في فترةٍ قياسية – ثمانية وعشرين يوماً في الحالة التونسية وثمانية عشر يوماً في الحالة المصرية – ونجاح الثورة الليبية في الإطاحة بمعمّر القذافي بعد صراعٍ مرير دام تسعة أشهر، وكذلك نجاح الثورة اليمنية في التوصل لصيغة تمت فيها تنحية علي صالح، إلا أن الثورة السورية لا تزال مستمرةً حتى الآن، ولا زال الثوار السوريون يقدمون تضحياتٍ تساوي إن لم تزد عن ما قدمه ثوار الربيع العربي الآخرون. مما لا شك فيه أن أشكال النضال التي مارستها الشعوب كان لها الأثر الأكبر والأهم في نجاح الثورات بالإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية، ومع ذلك فقد ساهمت جهود المجتمع الدولي في الوقوف إلى جانب الشعب الليبي واليمني في الإطاحة ببن علي والقذافي عبر التدخل العسكري الجوي في ليبيا والدبلوماسي في اليمن إلا أن هذه الجهود لم تنجح في التوصل إلى صيغةٍ ناجعةٍ لمساندة الشعب السوري في ثورته لإسقاط نظام الأسد.
فبالرغم من تدخل المجتمع الدولي في صراعات داخلية بدءاً من الصومال مروراً بكوسوفو فالعراق فدارفور، بل حتى التدخل المحدود في ليبيا، نقول بالرغم من ذلك لم يتدخل المجتمع الدولي في الصراع الداخلي في سوريا، وإنما تم الاكتفاء ببعض المبادرات الكسيحة مثل مبادرة أنان التي لم يكترث بها النظام ، بل وبأفراد بعثتها الدولية الذين صاروا مستهدفين أيضاً من قبله، والسؤال هو هل عدم التدخل يرجع لعدم توافر الأسباب القانونية للتدخل. أم أن الاعتبارات السياسية هي الفيصل لتفسير عدم التدخل ..وفي هذا الشأن يمكن تقسيم البحث الى مبحثين: نتناول في الأول قضية التدخل الدولي، والثاني التدخل الدولي في سوريا.
المبحث الأول: التدخل الدولي
اجتمعت الدول المنتصرة في الحرب العالمية على عدم السماح بتطور الأزمات التي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية، وبالتالي نهض ميثاق الأمم المتحدة على فكرة المساواة في السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المستقلة ذات السيادة، ورفض استخدام القوة في العلاقات الدولية إلا في حالة الدفاع الشرعي عن النفس وردع العدوان حسب الفصل السابع من الميثاق. وظلت هذه المبادئ تحكم العلاقات الدولية منذ عام 1945 وحتى انهيار الاتحاد السوفييتي. ولم يتعامل الميثاق مع الصراعات الداخلية في الدول على نحو مشابه للصراعات التي تندلع بين الدول، وتعامل فقط مع الحالات التي يراها تمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، واشترط أن يكون أي عمل في مواجهة أي حالة من هذا النوع بتفويض من مجلس الأمن الدولي. وبمرور الوقت بدأت الدول المنتصرة في الحرب الباردة تعترض على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء إلا بعد الحصول على ترخيص من مجلس الأمن وعلى مفهوم سيادة الدولة الذي رأت أنه يمثل حاجزاً قانونياً يحول دون تنفيذ أفكار “حق التدخل الإنساني”.
سنتناول في هذا المبحث قضية التدخل الدولي وتطورها في مطلبين، نتناول في الأول قضية التدخل الدولي، وفي الثاني الاعتبارات السياسية التي قد تُقدَّم على الاعتبارات القانونية في قضايا التدخل الدولي.
المطلب الأول: قضية التدخل الدولي
بدأت قضية التدخل أساساً في النزاعات بين الدول بإنشاء محاكم لمعاقبة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم أثناء الحروب، وقد ساهمت تلك المحاكم في تطور مفاهيم الجرائم الدولية. ففي عام 1943 التقى قادة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق وبريطانيا في العاصمة البريطانية لندن وقرروا معاقبة المسؤولين عن جرائم الحرب خلال الحرب العالمية الثانية، وبانتهاء الحرب تمت محاكمة 200 من قادة الحزب النازي الألماني في محكمة نورمبيرغ، وكانت الاتهامات كما يلي: المشاركة في مؤامرة أو خطة مشتركة لارتكاب جريمة ضد السلم، التخطيط أو تنفيذ أو تمويل حرب عدوانية أو جرائم أخري ضد السلم، جرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانية. وتم إنشاء محكمةٍ مشابهة لمحاكمة اليابانيين المسؤولين عن جرائم حرب.
وتكررت هذه التجربة في البوسنة بعد بدء الحرب عام 1992، حيث أنشأ مجلس الأمن الدولي بموجب القرار 827 المحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة عام 1993، والتي تولت المحاكمة على الانتهاكات لاتفاقيات جنيف، والانتهاكات لقوانين الحرب وأعرافها، الإبادة والجرائم ضد الإنسانية. وبعد ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في رواندا أنشأ مجلس الأمن بموجب القرار 955 المحكمة الجنائية الدولية لرواندا عام 1994، والتي اختصت بجرائم الإبادة، الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
لذلك فقد كان التدخل الدولي في جوهره لمعاقبة مرتكبي الجرائم الدولية، وسنتناول في هذا المطلب التسلسل الذي مرّ به التدخل الدولي منذ نشأة الأمم المتحدة حتى وقتنا هذا.
فكرة التدخُّل الدولي في الصراعات الداخلية
برزت فكرة التدخل الدولي في الصراعات الداخلية الأساس بالتزامن مع فكرة القضاء الدولي ووضع آلية لعقاب منتهكي القانون الدولي الإنساني[2]، وكانت أولى تطبيقات هذه الفكرة المناداة بإنشاء محكمة جنائية دولية لمنع مخالفات اتفاقية جنيف الخاصة بمعالجة جرحى الحرب لعام 1864. كما جاء إنشاء عصبة الأمم لمحكمة العدل الدولية الدائمة عام 1920 نتيجةً لتطور الحس الجماعي الدولي بخطورة ترك بعض الأعمال المرتكبة زمن النزاعات المسلحة بدون تجريم وملاحقة ومعاقبة من يقترفها. وسنتناول في هذا البحث تطور أسس التدخل الدولي منذ الحرب العالمية الثانية وحتى انهيار الاتحاد السوفييتي.
اتفاقيات جنيف
تمخّض مؤتمر جنيف الذي دعت إليه الحكومة السويسرية عام 1949 عن إبرام أربع اتفاقيات هي المعمول بها حالياً في النزاعات المسلحة، تهدف إلى مراجعة وتطوير اتفاقيتي جنيف لسنة 1929 وقانون لاهاي وإقرار اتفاقية ثانية لحماية ضحايا الحرب البحرية من غرقى وجرحى ومرضى، وتوسيع مجالات القانون الدولي الإنساني لضحايا النزاعات والفتن الداخلية للدول، وحماية المدنيين تحت الاحتلال وزمن الحرب[3].
وتضمنت المادة 3 المشتركة في الاتفاقيات الأربع ضوابط للنزاع المسلح الذي “ليس له طابع دولي”، حيث يطبق كل طرف في النزاع بحد أدنى الأحكام الآتية:
1- الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر.
ولهذا الغرض، تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقى محظورة في جميع الأوقات والأماكن:
أ- الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب.
ب- أخذ الرهائن.
ت- الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطّة من الكرامة.
ث- إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة.
2- يجمع الجرحى والمرضى ويعتني بهم.
ويجوز لهيئة إنسانية غير متحيزة، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن تعرض خدماتها على أطراف النزاع. كما على أطراف النزاع أن تعمل فوق ذلك، عن طريق اتفاقات خاصة، على تنفيذ كل الأحكام الأخرى من هذه الاتفاقية أو بعضها. وليس في تطبيق الأحكام المتقدمة ما يؤثر على الوضع القانوني لأطراف النزاع.
وتمّ عام 1977 توقيع بروتوكولين إضافيين لاتفاقيات جنيف عام 1977، تعلّق البروتوكول الأول بضحايا النزاعات المسلحة الدولية، واعتبَر حروب التحرير الوطني نزاعاً دولياً مسلحاً، واعترف لمقاتلي حرب العصابات بصفة المقاتل وصفة أسير الحرب، ونصّ على إرسال جهاز للاضطلاع بمهام التحقيق في حالات الخرق الجسيمة للقانون الدولي الإنساني. ثمّ جاء البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف ليكون أول الاتفاقيات التي تتحدث عن النزاعات غير الدولية[4].
البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف
كانت معظم النزاعات التي تلت الحرب العالمية الثانية نزاعات غير دولية. والمادة الوحيدة الواردة في اتفاقيات جنيف لعام 1949 والمنطبقة على مثل هذه النزاعات هي المادة 3 المشتركة للاتفاقيات الأربع. وبالرغم من أن المادة 3 وضعت مبادئ أساسية لحماية السكان والأفراد في أوقات الحروب إلا أنها لا تكفي لحل المشكلات الإنسانية الخطرة الناجمة عن النزاعات الداخلية. ولهذا كان الهدف من البروتوكول الثاني هو ضمان تطبيق القواعد الأساسية الرئيسية لقانون الحرب على النزاعات الداخلية, على أن يتم ذلك دون المساس بحق الدول في استخدام الوسائل المتاحة لها للحفاظ على النظام والقانون أو إعادتهما إلى ربوعها, ودون تقديم مسوّغ للتدخل الأجنبي
[5]، ولا يعني بالتالي الامتثال لأحكام البروتوكول الثاني الاعتراف بأي وضع قانوني خاص لمجموعات المعارضة المسلحة.
تعلّق البروتوكول بحماية ضحايا النزاعات غير الدولية. وعرّف النزاع غير الدولي بأنه نزاعٌ تدور أحداثه على إقليم أحد الأطراف المتعاقدة بين قواته المسلحة وقوات مسلحة منشقة أو جماعة نظامية مسلحة أخرى. وأقرّ مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة، كما دعّم الضمانات الأساسية لغير المقاتلين وتقديم الخدمات اللازمة لمساعدة الأسرى وضمان الحقوق القضائية لهم عند تتبّعهم.
وخلافاً للمادة 3 المشتركة التي لم تحدد معياراً لتعريف النزاعات الداخلية التي تنطبق عليها, فإن البروتوكول الثاني يحدّد بالتفاصيل مجال تطبيقه الخاص, مستبعداً النزاعات المنخفضة الحدّة مثل حالات التوتر الداخلي وأعمال الشغب.
ويسري البروتوكول الثاني على النزاعات المسلّحة غير الدولية التي تدور على أراضي دولة بين القوات المسلّحة لهذه الدولة ومجموعات مسلحة متمردة تعمل تحت قيادة مسؤولة وتسيطر على جزء من الأراضي الوطنية. ويذهب البروتوكول الثاني إلى أبعد من البذرة المتواضعة للاهتمامات الإنسانية التي كانت قد وضعتها المادة 3 المشتركة بالنسبة إلى القانون المتعلق بالحروب الأهلية.
النظام الدولي ما بعد الحرب الباردة
مثل انهيار الاتحاد السوفييتي مرحلةً فاصلة في العلاقات الدولية التي دخلت مرحلةً جديدة كانت بمثابة ميدان للنزال بين رؤىً متصارعة حول طبيعة النظام الدولي، فعلى الرغم من انهيار حلف وارسو وتفكك الاتحاد السوفييتي إلى خمس عشرة دولة فقد ظلت القواعد القانونية التي كانت تحكم نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية. واستمر الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي بعد مرحلة الحرب الباردة على مستويات نظرية وعملية من أجل جذب التفاعلات الدولية صوب رؤية كل منهما؛ فقد اجتهد المعسكر الرأسمالي الفائز في الحرب الباردة في خطىً هدف من خلالها إلى تعديل قواعد القانون الدولي وتطويعها على النحو الذي يعكس واقع توزيع القدرات في عالم ما بعد الحرب الباردة، والذي يعطي هذا الفريق ما يشبه الهيمنة على النظام، وينحو به إلى أن يكون أقرب إلى الأحادية القطبية.
وقد تبلور جدلٌ شديدٌ حول القضايا الخاصة بالتدخل الدولي في النزاعات والصراعات التي تجري داخل الدول، حيث رأت الدول الفاعلة في النظام الدولي أنها تمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية، أو تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين. فقد كان المجتمع الدولي يعمل وفق الفقرة السابعة من المادة الثانية لميثاق الأمم المتحدة، والتي تنص على أنه “ليس في الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما… على أن هذا المبدأ لا يخلّ بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع”[6]، أي أنه لا يمكن للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون الداخلية لدولةٍ ما إلا عبر الفصل السابع من الميثاق.
كذلك فعلى الرغم من دعوة البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف لحماية الأفراد في النزاعات غير الدولية، إلا أن البروتوكول تضمن في المادة الثالثة منه عدم جواز الاحتجاج بالبروتوكول لأي سبب كان للتدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة في الشؤون الداخلية أو الخارجية للدول الموقعة على البروتوكول[7].
إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة عام 1999 السيد كوفي أنان قدّم مشروع قانون إلى الجمعية العامة في دورتها رقم 54 عام 1999، اعتَبر فيه أن السيادة لم تعُد مسألة تخص الدولة الوطنية التي هي الأساس الذي تقوم عليه العلاقات الدولية بل تخص الأفراد أنفسهم، ومن هنا يصبح من حق المنظمة التدخل لحماية الوجود الإنساني لأي فردٍ في العالم، والتصدّي لمن ينتهكون حقوقه وينالون من كرامته[8].وذلك حال تعرض هذا المواطن لجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو أو إبادة جماعية .وهي ذات الحالات التي تناولها ميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية
المحكمة الجنائية الدولية
هي محكمةٌ مستقلةٌ عن الأمم المتحدة من حيث الموظفين والتمويل، دخل نظامها الأساسي – نظام روما – حيز التنفيذ في 2002، وهي أول محكمةٍ قادرةٌ على محاكمة الأفراد المتّهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء.
كشفت مداولات مؤتمر روما عام 1998 عن التداخل الشديد ما بين الإنساني والسياسي في مجال عمل هذه المحكمة التي ستغدو دائمة، كما كشفت عن الاختلافات الشديدة بين الدول في العديد من القضايا، فمن ناحية بدا الخلاف واضحاً حول امتداد مفهوم جرائم الحرب إلى الصراعات الداخلية، وفي هذا الإطار رفضت بعض الدول أية محاولة للقياس بين الصراعات الدولية والصراعات الداخلية في هذا الشأن. واستند منطق الرفض إلى عدة حجج ذات طبيعة سياسية أبرزها:
1- أن تدويل المسؤولية الجنائية عن الجرائم التي ترتكب خلال الصراعات الداخلية من شأنه إضفاء شرعية دولية على الجماعات المسلحة التي تقاوم السلطات الشرعية في الدول.
2- أن التزام الدولة بعدم ارتكاب الأعمال الإجرامية في الصراعات الدولية ضد الجماعات المسلحة الرافضة لسلطة الدولة، يعني إقرار المجتمع الدولي بشرعية هذه الجماعات الخارجة عن القانون.
3- أن تدويل المسؤولية الجنائية قد يتخذ ذريعة لتدخل القوى الأجنبية في الصراعات الداخلية، حسب مصالحها وارتباطاتها.
4- أن الدول وأجهزتها العسكرية تريد الاحتفاظ بحرية اختيار وسائل مواجهة حركات التمرد الداخلية.
ومن ناحية أخرى برزت طائفة ثانية من التحفظات جاءت بالأساس من جانب الولايات المتحدة، وتمثلت دوافع واشنطن في رفض إنشاء محكمة جنائية دولية مستقلة وقوية في:
1- الخوف من ملاحقة جنود الولايات المتحدة العاملين في الخارج وتوجيه الاتهامات الجنائية لهم، لا سيما وأن هناك بالفعل جرائم لهؤلاء الجنود في القواعد العسكرية في اليابان والبوسنة وفي القواعد الأطلسية في أوروبا.
2- الاعتراض على محاكمة المشتبه في ارتكابهم جرائم حرب حتى من الدول غير الموقعة على المعاهدة كما نصت المادة 12 من ميثاق المحكمة، والتي تم تعديلها لتكون “لن يكون ممكناً محاكمة مشبوه بارتكاب جرائم حرب، لم توقع بلاده على الميثاق”. كما أقر الميثاق بأن ثمة حاجة لمصادقة الدولة التي وقعت فيها الجريمة بغية تقديم المشبوه إلى المحاكمة. أيضاً تم تعديل المادة 111 الأمر الذي أعطى للدول مدة سبع سنوات قبل بدء عمل المحكمة وذلك تجاوباً مع المطلب الأمريكي.
وفي نفس السياق تجاوب المؤتمر مع مطلبين أمريكيين آخرين هما:
1- قبول المحكمة دفاع جندي ما بأن الأعمال التي قام بها، والتي تجعله عرضةً لمساءلة المحكمة، كانت تنفيذاً لأوامر صادرة إليه، وهو الدفاع الذي سبق ورفضته محكمة نورمبرغ في أعقاب الحرب العالمية الثانية من العسكريين الألمان.
2- أن المحكمة ستتعرض فقط لجرائم الحرب في حال ثبوت أنها كانت جزءاً من خطة أو سياسة.
وخلال مفاوضات نظام روما، حاولت الكثير من الدول جعل المحكمة ذات سلطة عالمية. لكن هذا الاقتراح فشل بسبب معارضة الولايات المتحدة. وتم التوصل إلى تفاهم يقضي بممارسة المحكمة لسلطتها فقط ضمن الظروف المحدودة التالية:
1- إذا كان المتهم بارتكاب الجرم مواطنا لإحدى الدول الأعضاء (أو إذا قبلت دولة المتهم بمحاكمته).
2- إذا وقع الجرم المزعوم في أراضي دولة عضو في المحكمة (أو إذا سمحت الدولة التي وقع الجرم على أراضيها للمحكمة بالنظر في القضية).
3- إذا أحيلت القضية للمحكمة من قبل مجلس الأمن.
وتستطيع المحكمة النظر فقط في القضايا المرتكبة في أو بعد 1 يوليو 2002. وبالنسبة للدول التي انضمت لاحقاً بعد هذا التاريخ، تقوم المحكمة آليا بممارسة سلطتها القضائية في هذه الدول ابتداءَ من تاريخ مصادقتها على الاتفاقية، كما لها في نفس الوقت اختصاصاتٌ تكميليةٌ عديدة.
ورغم هذه التعديلات فقد صوتت الولايات المتحدة ضد إنشاء المحكمة، وذلك بعد إخفاق إسرائيل في استبعاد النص الذي يجعل الاستيطان جريمة من جرائم الحرب. كذلك فقد صوتت الصين وقطر والبحرين وإسرائيل والهند وفيتنام ضد إنشاء المحكمة. الأمر الذي استدعى تعليق وزير خارجية كندا بقوله “إن الحلفاء القليلين الذين وجدت واشنطن نفسها بينهم، ليسوا بالتحديد الصحبة التي تريدها الولايات المتحدة”، ومن جانبه علق وزير خارجية استراليا بالقول “إن إقرار الميثاق يمثل انتصاراً عظيماً للذين كافحوا من أجل مثول مرتكبي جرائم الحرب أمام العدالة”، وقد وقعت 80 دولة على الميثاق أو النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، بينما لم تصادق عليه سوى دولتين فقط.
وقد تمّ تصنيف الجرائم الدولية حسب نظام روما الأساسي إلى ثلاث مجموعات رئيسية:
1- جرائم الحرب War Crimes : وتضم الانتهاكات الجسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني التي تهدف إلى حماية البشر وبيئتهم من الأضرار التي تترتب بالضرورة على استخدام القوة المسلحة، بعد الأخذ بمصلح الصراعات غير الدولية Non-International Conflicts بدلاً من مفهوم الحرب الأهلية Civil War، لتغطية كافة أشكال الصراعات الداخلية بحيث غدا يشمل الحرب الأهلية، وأيضاً حركات التمرد المسلح المحدود ضد السلطة الشرعية وكذلك الاضطرابات الداخلية العنيفة، وأيضاً الصراع بين جماعات مسلحة غير حكومية.
والشرط الأساسي هنا أن تكون تلك الجرائم جزءاً من سياسة عامة أو خطة شاملة، وأن ترتكب على نطاق واسع. فقد نصت الفقرة الأولى من المادة الثامنة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة على “إن المحكمة تختص بالنظر في جرائم الحرب خاصةً تلك التي ترتكب كجزء من خطة أو سياسة، أو كجزء من ارتكاب هذه الجرائم على نطاق واسع”.
2- جريمة إبادة الجنس Genocide : أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الحادي عشر من ديسمبر 1946 قراراً يتضمن إعلاناً باعتبار إبادة الجنس البشري جريمة دولية لتعارضها مع روح وأهداف وميثاق الأمم المتحدة، وفي التاسع من ديسمبر 1948 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية الخاصة بالوقاية من جريمة إبادة الجنس البشري وإيقاع العقاب على من يرتكبها. وقد أصبحت هذه الاتفاقية نافذةً اعتباراً من يناير 1952. وعرفت المادة الثانية من الاتفاقية جريمة إبادة الجنس بأنها “ارتكاب أعمال معينة بنية الإبادة الكاملة أو الجزئية لجماعة قومية أو اثنية أو عنصرية أو دينية”. ومن ثم فجوهر الجريمة هنا يتمثل في إنكار حق البقاء لمجموعات بشرية مستهدفة بصفة كلية أو جزئية.
وقد تبنى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا ورواندا، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة تعريف إبادة الجنس كما ورد في المادة الثانية من اتفاقية 1948، وتنص المادة الثالثة على معاقبة مرتكبي الأعمال التالية:
أ- إبادة الجنس كما عرفتها المادة الثانية من اتفاقية 1948.
ب- التآمر على ارتكاب الجريمة.
ت- الشروع في ارتكاب الجريمة.
ث- الاشتراك في ارتكاب الجريمة.
وهي جريمة ترتكب وقت السلم ووقت الحرب.
3- الجرائم ضد الإنسانية Crimes against Humanity: تتميز الجرائم ضد الإنسانية عن غيرها من الجرائم التي تستوجب التدخل الدولي- وتحديداً عن جريمة إبادة الجنس- في كونها تترتب ضد المدنيين عموماً دون النظر إلى جنسياتهم أو انتماءاتهم. ظهر مفهوم الجرائم ضد الإنسانية أولاً في المادة السادسة من ميثاق محكمة نورمبرغ الذي أبرمه الحلفاء في الثامن من أغسطس 1945 التي تنص على ” مسؤولية الأفراد عن الجرائم ضد السلم وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”. أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادئ الميثاق والمبادئ التي تضمنتها أحكام المحكمة باعتبارها مبادئ قانونية دولية. وعَرَّفت المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مفهوم الجريمة ضد الإنسانية بأنها تعني “ارتكاب أعمال كجزء من اعتداء شائع أو منظم موجه ضد أي سكان مدنيين مع إدراك لهذا الاعتداء”، ولا يشترط ارتباط هذه الاعتداءات بوقوع نزاعات أو صراعات مسلحة.
وقد وضع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة معيارين لكي تصبح الاعتداءات على البشر جرائم ضد الإنسانية، وهما:
أ- أن ترتكب هذه الجرائم ضد سكان مدنيين بصرف النظر عن انتماءاتهم العرقية أو اللغوية أو الدينية أو السياسية، وذلك بخلاف جريمة إبادة الجنس البشري التي ترتكب في حق جماعات موصوفة.
ب- أن تكون هذه الأعمال جزءاً من اعتداء واسع النطاق أو أن تكون أعمالاً منظمة.
والمعياران هنا مرتبطان تماماً؛ فلكي يصبح الاعتداء على المدنيين جريمة في حق الإنسانية على المستوى الدولي، يجب أن يقع هذا العمل كجزء من اعتداءات واسعة النطاق أو اعتداءات منظمة، أي على أعداد كبيرةٍ من البشر، وفي شكل منظم يأخذ صورة السياسات العامة، أي يصير نمطاً للسلوك. ولا يشترط أن تسند إلى السلطات الرسمية في الدول، بل أيضاً إلى الجماعات التي تكون متورطةً في ارتكاب هذه الأعمال الإجرامية مثل حركات التحرر القومي والحركات الانفصالية، وأيضاً المنظمات الإرهابية.
وربما تنطبق هذه الشروط على الحالة السورية وعلى جرائم النظام..وهو ما يتطلب من مجلس الأمن إصدار قرار للمحكمة بالتحقيق في هذه الأمور على غرار أزمة دارفور على اعتبار ان سوريا ليست عضوا بالمحكمة..وهو ما طالبت به بالفعل بعض القوى الدولية والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان. لكن الأمر لم يفعل حتى الآن بسبب عدم توفر الإرادة السياسية للدول الكبرى من ناحية ، وبسبب الخوف من الفيتو لروسي الصيني من ناحية ثانية .
المطلب الثاني: الاعتبارات السياسية للتدخل الدولي
ارتبط التدخل الدولي الإنساني بأجندة ومصالح الدول الكبرى بصورة قد تتجاوز حدود القانون الدولي، وظهرت عدة حالات تدخلت فيها الدول الكبرى في الشؤون الداخلية لدول أخرى لاعتبارات سياسية خارج أطر القانون الدولي، بين تجاوز صلاحيات التفويض الدولي، والتدخل الفردي للتسوية دون الرجوع للقانون الدولي، والإحجام عن التدخل، حتى وصل الأمر إلى التدخل دون تفويض من الأمم المتحدة، في محاولةٍ من الدول لتحقيق حالاتٍ قد تكتسبُ صفة التواتُر لتتحول مع الزمن إلى ما يسمى بـ”العرف الدولي”.
1- تجاوز صلاحيات التفويض الدولي: حرب الخليج الثانية والعقوبات على العراق
جاء الاحتلال العراقي للكويت عام 1990 في وقت كانت موسكو تركز على التخلص من سياسات مرحلة الحرب الباردة وتبحث عن التوافق الكامل مع الغرب. ومن هنا كشفت الأزمة عن عمق التحول في العلاقات الأمريكية الروسية، وعن طبيعة التحولات الجارية في النظام الدولي، لتُقدِّم لواشنطن فرصة نموذجية للعمل باتجاه استغلال القرارات الدولية الصادرة بحق العراق ودفعها فيما وراء النطاق المحدد لها وهو تحرير الكويت، إلى تدخل في الشأن العراقي الداخلي لحسابات تتعلق برؤيتها للنظام الإقليمي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة ومصالحها المتنامية في المنطقة[9].
في أعقاب الغزو العراقي للكويت أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب أن استيلاء العراق على الكويت يمثل تهديداً حقيقياً للمصالح القومية الأمريكية. وبعد مشاورات مع الدول الغربية حدد الرئيس بوش أربع أهداف للسياسة الأمريكية تجاه العراق وهي: الانسحاب الفوري الكامل وغير المشروط لكل القوات العراقية من الكويت، وعودة الحكومة الشرعية للكويت، وتأمين واستقرار دول الخليج، وتأمين وحماية أرواح المواطنين الأمريكيين في الخارج.
كذلك فقد صدرت قرارات مجلس الأمن 660، 661، 662،664، 665،666،667،669،670، 674، 677 للعام 1990، والقرار رقم 678 الذي أكّد على كل القرارات السابقة لعام 1990 والدّاعية بمجملها إلى خروج العراق من الكويت دون قيد أو شرط و البدء في مفاوضات لحل الخلافات، كما دعا القرار 678 الدول الأعضاء في مجلس الأمن والمتعاونة مع حكومة الكويت إلى تنفيذ جميع القرارات ذات الصلة وإعادة السلم والأمن الدوليين. وعلى صعيد التحرك العسكري أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية بعد ساعة من الغزو العراقي للكويت أمراً لحاملة الطائرات “انديبندنت” بالتوجه إلى الخليج، ولحاملة الطائرات “ايزنهاور” بالإبحار إلى شرق المتوسط، وشرعت واشنطن بعد ذلك بالإعداد لإرسال القوات المحمولة جواً. واستصدرت من مجلس الأمن ما كانت تريد من قرارات بما في ذلك قرار الحق في استخدام القوة لإنهاء الاحتلال العراقي للكويت[10].
من جانبها أدانت موسكو ودول المعسكر الشرقي الاحتلال العراقي للكويت وطالبت بغداد بالانسحاب الفوري من الأراضي الكويتية، وعلى الرغم من إعطائها الأولوية للحلول الدبلوماسية في البداية إلا أنها وافقت على قرارات مجلس الأمن الدولي بما فيها القرارات التي أجازت استخدام القوة من أجل تحرير الكويت. كما شاركت دول من شرق ووسط أوروبا بوحدات غير مقاتلة في صفوف التحالف الدولي، في سابقةٍ هي الأولى من نوعها في تأييد دول من المعسكر الشرقي للموقف الأمريكي أو الموقف الغربي تجاه أزمة من الأزمات الإقليمية[11].
أضعف الغزو العراقي للكويت حجة أي دولةٍ كان لها أن تعارض التوجهات الأمريكية، كما أن الرفض العراقي لكافة المبادرات لتسوية الأزمة سلمياً من خلال الانسحاب من الكويت، قد شلَّ جهود الأطراف الإقليمية والدولية التي كان من الممكن أن تقف في وجه الحسابات الأمريكية. واستغلت الولايات المتحدة هذا الظرف بتمرير إجراءات منها استصدار القرار رقم 661 الذي تقرر بموجبه فرض حصار ومقاطعة دائمين على العراق[12]، الذي نصت الفقرة 11 منه على أن تتم مواصلة “بذل الجهود كي يتم إنهاء الغزو العراقي في وقت مبكر”[13]، ويُفهم من نص القرار أن الحصار مستمرٌ حتى انتهاء الغزو العراقي للكويت[14].
كذلك فقد استصدرت الولايات المتحدة من مجلس الأمن القرار رقم 688 في أبريل 1991 بعد انتهاء تحرير الكويت الذي نصَّ على وجوب “حسن معاملة المواطنين العراقيين وحماية الأكراد” والذي يعد سابقةً غير عاديةٍ للتشريع الدولي في مجال التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء[15]. وفي أعقاب صدور القرار قامت بريطانيا والولايات المتحدة بإنشاء منطقة آمنة شمالي العراق بالقوة في الفترة من 17-23 نيسان/ أبريل 1991، كما فرضت حظراً جوياً على خط عرض 36 شمالاً. وعلى الرغم من اعتراض العراق وسعيه من خلال مجلس الأمن إلى اعتبار ذلك خروجاً عن القانون الدولي، إلا أن الولايات المتحدة رفضت اعتراضها[16].
وأخذت الولايات المتحدة تبتدع مبررات استمرار الحصار على العراق وتمزيق أراضيه تحت دعوى اختراق الحظر أو اضطهاد الشعب، كما ورد في تصريح وزير الدفاع الأمريكي وليام كوهين الذي قال أن الضربات استهدفت “تقليل قدرة الرئيس العراقي على اضطهاد شعبه أو تهديد جيرانه أو تهديد تدفق النفط”[17]. وكل هذه المبررات تعتبر من المستجدات في العلاقات الدولية، حيث لم تَرِد في ميثاق الأمم المتحدة، كما أن إعلانها والتعامل عن طريقها كفيل بنشر الفوضى وإحلال إرادة الدول الكبرى محل الأمم المتحدة. وتكشف عبارة وزير الدفاع الأمريكي عن توظيف قضية حقوق الإنسان من أجل تحقيق مصالح استراتيجية، فحقوق الإنسان العراقي، فضلاً عن أنها لا تدخل ضمن السياسة الخارجية الأمريكية، فهي في صميم الشأن الداخلي للدولة من ناحية، وإن تقدير المسؤولية الدولية تجاهها يعود للأمم المتحدة من ناحية أخرى.
إذا كان ضرب العراق وفرض الحصار عليه قد تم بموجب قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي، فهذه القرارات صدرت في بيئة إقليمية ودولية بدا فيها العراق دولة معتدية تحتل دولة مستقلة جار لها وعضو في الأمم المتحدة. أما وقد انسحب العراق من الكويت، وأعلن اعترافه بدولة الكويت وحدودها التي أشرفت على رسمها الأمم المتحدة، ولبى معظم شروط رفع الحصار، فإن القضية لم تعد تنفيذ قرارات دولية بقدر ما أصبحت تنفيذ الشروط الأمريكية. وهكذا تمكنت الولايات المتحدة من إرساء سابقة تجاوز التفويض الدولي وتمديد مضمون القرارات الدولية لتسمح لها بالتدخل في صميم الشأن الداخلي لدولة مستقلة عضو في الأمم المتحدة وذلك بتمديد الحصار على العراق ليستمر قرابة 13 عاماً ويعود بالعراق إلى حقبة “ما قبل الصناعة” كما قال جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي آنذاك[18]، وإنشاء منطقة آمنة وفرض حظر جوي شمالي العراق[19].
التدخل عبر الانفراد بالتسوية: حالة البوسنة
جاءت الأزمة البوسنية في الفترة التي أصبحت فيها روسيا الاتحادية الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي، واستمرت روسيا الاتحادية في نفس الخط الذي رسمه غورباتشوف قبل تحلّل هياكل الاتحاد، حيثُ أطاح الرئيس بوريس يلتسين بالعناصر المحافظة وأحكم قبضة الجناح الليبرالي الساعي إلى دولة ليبرالية على النمط الغربي. وفي هذا الإطار تراجع الدور الروسي كثيراً، وانفردت الولايات المتحدة بإدارة النظام الدولي وبدأت تشيع لفكرة تبلور أسس ومبادئ نظام دولي جديد[20].
في 29 من فبراير و 1 من مارس 1992 تم عقد استفتاء حول استقلال البوسنة والهرسك وقامت الغالبية العظمى من السكان بالتصويت لصالح الاستقلال. وقد قامت الأقلية الصربية بمقاطعة هذا الاستفتاء مما أدى إلى زيادة التوتر وازداد التوتر بالمنطقة. وبعد إعلان الاستقلال، قام صرب البوسنة بالهجوم على مناطق مختلفة من البوسنة والهرسك، وأعلنوا عن تشكيل جمهورية صربيا. وأبدت كرواتيا رغبتها في ضم المناطق التي يسكنها الكروات البوسنيون ضمن حدود كرواتيا، وطالبت صربيا بضم صرب البوسنة إلى صربيا، بينما أصرت الحكومة البوسنية، التي تتألف في معظمها من البوشناق (أي المسلمون البوسنيون)، على وحدة البوسنة والهرسك. وقد أدى التوتر المتزايد الى نشوب حرب عرقية[21]. حيثُ شهدت جمهورية البوسنة والهرسك صراعاتٍ وصلت أعمال القتل والتنكيل فيها إلى مستويات تقترب من الإبادة الجماعية، وقد كانت نموذجاً للصراعات التي تستمر نتيجة حسابات القوة الأولى في عالم ما بعد الحرب الباردة، وتعرف طرق التسوية عندما تتحقق الشروط التي تضعها هذه القوة للتحرك[22].
على الرغم من مطالبة مجلس الأمن في سلسلة من القرارات أطراف الصراع بالتفاوُض واحترام وحدة أراضي جمهورية البوسنة والهرسك[23]، ثم فرضه الحظر الجوي في المجال الجوي للبوسنة والهرسك[24]، ومحاولة الدول الأوروبية تسوية الأزمة عبر مؤتمر لندن الذي دعا إلى وقف الأعمال العدوانية والاعتراف بجمهورية البوسنة والهرسك[25]، وسماحه بدخول قوة حماية تابعة للأمم المتحدة[26]، إلا أن الجهود الدولية في البوسنة والهرسك حتى عام 1995 اتسمت بالعجز الكامل عن التدخل العسكري الفعال لوقف الصراع أو فرض احترام قرارات الشرعية الدولية.
يرجع ذلك بالأساس إلى غياب الرغبة الأمريكية في التدخل لإنهاء الصراع وتعمد عدم المشاركة في جهود التسوية طالما كانت تجري تحت المظلة الأوروبية أو الإطار الدولي، حيث رفضت الولايات المتحدة إرسال قوات برية للمشاركة مع قوات الأمم المتحدة الموجودة في البوسنة لفرض احترام القرارات الدولية، لا سيما بعد اعتقال الصرب لعدد من أفراد القوات الدولية واتخاذهم كدروع بشرية للحيلولة دون تكرار قصف الطائرات التابعة لحلف شمال الأطلسي لمواقعهم والتي كانت بناءً على طلب مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة. وأكدت الولايات المتحدة أنها لن ترسل قوات برية إلى البوسنة إلا إذا جاء ذلك في إطار الإشراف على تنفيذ اتفاق للسلام في البوسنة[27].
وعندما تأكد عجز الإطارين الأوروبي والدولي قررت الولايات المتحدة تكثيف جهودها لإنهاء الصراع. وبدأ الجهد الأمريكي على أرضية رصيد الجهود المبذولة لتسوية الصراع، فقد مهدت الولايات المتحدة لتدخلها بوساطة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر الذي أبرم اتفاق هدنة لمدة الشهور الأربعة الأولى من عام 1995. ثم تمكن المبعوث الأمريكي ريتشارد هولبروك من الحصول على موافقة رؤساء البوسنة وكرواتيا ويوغسلافيا الجديدة في الخامس من أكتوبر 1995 على وقف إطلاق النار تمهيداً لإجراء مفاوضات في قاعدة عسكرية بمدينة “دايتون” في الولايات المتحدة. واستمرت هذه المفاوضات إلى أن أعلن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في الحادي والعشرين من نوفمبر 1995 توصل زعماء الدول الثلاث إلى اتفاق سلام شامل ينهي الحرب في البوسنة[28].
تكشف التسوية السياسية للصراع في البوسنة عن أن العامل الحاسم في وقف الصراع والتوصل إلى اتفاق التسوية تمثل بالتحديد في الموقف الأمريكي؛ ففي الوقت الذي استمر به الجانب الصربي بالرهان على الخيار العسكري لإحلال الصرب محل الأعراق الأخرى، وواصل الجانب الكرواتي رهانه على الخيار العسكري في مواجهة الصرب والمسلمين، واعتماد المسلمين على الخيار العسكري في المقاومة ومحاولة إبطال مخططات الصرب والكروات، وفي الوقت الذي عجزت فيه الدول الأوروبية عن التدخل لوقف القتال، وانحسار دورها في إصدار قرارات إدانة للعدوان الصربي وتحذير الكروات وفرض العقوبات على صربيا وشن غارات جوية ضد مواقع لصرب البوسنة ورفض الولايات المتحدة إرسال قوات برية، فلم تعرف الأزمة البوسنية طريق التسوية إلا بعد تدخل الولايات المتحدة لوقف القتال ثم استضافة الأطراف المعنية في مدينة “دايتون”، ثم تشكيل القوات الدولية اللازمة لتطبيق الاتفاق، أي أن الدور الأمريكي كان حاسماً في فرض وقف القتال ودفع الأطراف إلى المفاوضات والتوصل إلى اتفاق ثم فرض تنفيذه على الأرض عبر تشكيل قوات دولية من حلف شمال الأطلسي ودول أخرى[29].
وبذلك تمكنت واشنطن من إرساء أسس محددة لتسوية الصراعات في القارة الأوروبية عبر الانفراد بتسوية الصراع في البوسنة، فقد كان توقيت التدخل وطريقة التسوية متضمنة لرسائل واضحة لمن يهمه أمر الأمن الأوروبي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة[30].
التدخل دون تفويض: حالة كوسوفو
يعتبر تدخل حلف شمال الأطلسي عسكرياً ضد يوغسلافيا أول تطبيق عملي لفكرة حق المجتمع الدولي في التدخل العسكري ضد دولة عضو في الأمم المتحدة لاعتبارات التدخل الإنساني دون تصريح من مجلس الأمن الدولي، والذي كان البوابة التي تم عبرها طرح فكرة تعديل مفهوم سيادة الدولة التقليدي[31].
أعلن ألبان صربيا انفصالهم عن يوغسلافيا في الثاني من يوليو 1990 ثم إعلان قيام جمهورية كوسوفو بعد الاستفتاء الذي أجري في السابع من نفس الشهر. وقد حالت الحرب التي اجتاحت مناطق يوغسلافيا المختلفة دون تركيز انتباه صربيا تجاه الإقليم، الأمر الذي تحقق بعد انتهاء هذه الحروب، فبدأت الحركة الصربية المكثفة لاستعادة السيطرة على الإقليم، في الوقت الذي شهد الإعلان عن جيش تحرير كوسوفو في الثاني من يوليو 1997 والذي بدأ بمواجهات واسعة النطاق مع القوات الصربية- اليوغسلافية، تفاقمت حتى النحو الذي كان يفرض ضرورة التدخل الدولي لضبط الأوضاع في الإقليم، وكانت المشكلة الرئيسية في البداية هي ضرورة أن يحدث هذا التدخل باتفاق مع صربيا، بهدف وقف العنف وتوفير الحماية للسكان تمهيداً لاستعادة ألبان الإقليم الحكم الذاتي ضمن صربيا، وعدم السماح ببحث فكرة الانفصال، والتعامل مع الإقليم على أنه جزء من صربيا[32].
في أعقاب توقف الصراع في البوسنة بعد بدء تطبيق اتفاق دايتون، توجهت جهود الاتحاد الأوروبي لمحاولة منع تفجر الصراع في كوسوفو وتسوية المشكلة وفق حكم ذاتي للألبان ضمن جمهورية صربيا مع إشراف دولي على تطبيق بنود الاتفاق ومراقبة الأوضاع في الإقليم، ومن هنا تشكلت مجموعة الاتصال الدولية من ست دول هي الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، والتي دعت إلى وقف العنف، ثم طالبت مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على يوغسلافيا. ولكنها فشلت في التوصل إلى اتفاق وتنفيذه، مما فتح المجال أمام الدبلوماسية الأمريكية التي كانت ترتبط بصلات قوية مع القوى الألبانية الفاعلة.
كانت الولايات المتحدة تميل في تلك الفترة للتلويح بالتدخل العسكري في حال تشدد طرف أو عرقلته المفاوضات، بينما أكدت كل من القمة الأوروبية التي عقدت في بريطانيا واجتماع وزراء فرنسا وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال على ضرورة موافقة مجلس الأمن على أي عمل عسكري. الأمر الذي ناقضه وزير الدفاع الأمريكي في يونيو 1998 حيث أكد أن حلف شمال الأطلسي ليس في حاجة إلى تفويض من مجلس الأمن إذا قرر القيام بعمل عسكري في كوسوفو. وبعد جهود سياسية مكثفة وتهديدات متبادلة تم التوصل إلى اتفاق بين المبعوث الأمريكي للبلقان ريتشارد هولبروك والرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوسوفيتش على سحب القوات اليوغسلافية من كوسوفو والإبقاء على 18 ألف جندي، والسماح بعودة النازحين من أبناء الإقليم، وحرية منظمات الإغاثة الدولية في العمل داخل الإقليم، نشر بعثة رصد ومراقبة دولية مكونة من 1400 شخص، والسماح لطائرات حلف شمال الأطلسي بالقيام بطلعات مراقبة جوية فوق كوسوفو. وعلى الرغم من ذلك فقد استمرت هجمات جيش تحرير كوسوفو على القوات اليوغسلافية التي اتسم ردها بالعنف الشديد.
أدركت الدول الأوروبية المخاطر التي يمكن أن تترتب على انفراد واشنطن بإدارة الصراع، خاصة بعدما عانته من الإدارة الأمريكية في البوسنة. ومن هنا فقد حرصت هذه الدول على معارضة النهج الأمريكي الرامي إلى التصعيد ثم الانفراد بالملف، حيث كانت الولايات المتحدة تهدد بهجمات عسكرية على مواقع القوات الصربية في كوسوفو، في حين كانت الدول الأوروبية ترفض ذلك تماماً، لإدراكها المخاطر التي تترتب على هذه التهديدات من تشدد بعض فصائل الإقليم مما يعيق فرص التسوية السلمية، وإدراكها النتائج العكسية التي سيؤدي إليها شن الغارات العسكرية من عمليات انتقامية صربية، إضافةً إلى رفض الصرب الدخول في مفاوضات تسوية سلمية من موقف الضعف[33].
بدأت مفاوضات “رامبوييه” في باريس في 6 شباط/ فبراير 1999 للتوصل إلى اتفاق شامل عبر تسوية وضع الإقليم ضمن شقين: السياسي أو صيغة الحكم الذاتي التي يمكن الاتفاق حولها، والعسكري الذي يتمثل في تشكيل قوات عسكرية لمراقبة تنفيذ الشق السياسي. وطالب الجانب الأمريكي- الأوروبي بأن تتولى قوات من حلف شمال الأطلسي مهمة مراقبة وضمان تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، الأمر الذي رفضه الجانب الصربي- اليوغسلافي انطلاقاً من النظر إلى الحلف باعتباره مؤسسة عسكرية معادية، وطرح بديلاً تمثل في أن تكون بعثة المراقبة تحت إشراف منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أو الأمم المتحدة، وبالتالي من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن دون أن تحتكر الولايات المتحدة القيادة. وقد انتهت الجولة الأولى للمفاوضات في السابع والعشرين من فبراير 1999 بتوقيع الوفد الصربي على الشق السياسي وطلب الألبان العودة إلى القواعد الشعبية للتشاور معها قبل التوقيع[34].
كان واضحاً منذ الوهلة الأولى لبدء مفاوضات باريس اختلاف بل وتصادم حسابات الولايات المتحدة مع الحسابات الأوروبية، فقد كانت واشنطن تسعى إلى تكريس دورها القيادي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، الأمر الذي قد يزعزعه نجاح المفاوضات مما قد يؤدي إلى تراجع الدور الأمريكي، وبالتالي فقد تجمعت لدى الولايات المتحدة كل مبررات إفشال المفاوضات، مما دفع بها إلى استغلال مرحلة توقفها وتغيير ما تم الاتفاق عليه فيما يخص سقف المفاوضات الذي جرى فتحه عبر النص على تحديد مستقبل بعد فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات، بدلاً من تحديد هذا السقف في شكل حكم ذاتي موسع. وفي نفس الوقت دعت واشنطن وفداً ألبانياً من جيش تحرير كوسوفو وجرى إبرام صفقة بينهما. ثم أعلنت الولايات المتحدة أن تردُّد الصرب في توقيع الاتفاق – الذي جرى فتح سقفه – يعني بدء حلف شمال الأطلسي غاراته العسكرية على يوغسلافيا. وهكذا توقفت الجولة الثانية من مفاوضات باريس في التاسع عشر من مارس 1999. وفي اليوم التالي لتوقف المفاوضات صدر قرار الجنرال الأمريكي وليام ووكر بسحب فريق المراقبين الدوليين، وبدأت بعد ذلك بأربعة أيام غارات حلف شمال الأطلسي الجوية والبحرية على يوغسلافيا[35].
أسفرت العمليات العسكرية لحلف شمال الأطلسي عن تداعيات سلبية بالنسبة لأهالي كوسوفو، وحيث تسبب تهديد الناتو ببدء الغارات العسكرية إلى زيادة فظائع القوات الصربية ضد المدنيين فقد أدى بدء الغارات وسحب المراقبين الدوليين إلى وصول نطاق هذه الفظائع إلى حد مهول، دون القدرة على الرصد أو الردع من تداعيات الرصد. وبدأت العديد من القوى والأحزاب السياسية في الدول أعضاء التحالف بالإضافة إلى كُتّاب ومحللين بتحميل حلف الناتو جزءاً من مسؤولية مأساة كوسوفو، وشهدت معظم دول التحالف الغربي مظاهرات ضد استمرار العمليات العسكرية وصل حجمها إلى ربع مليون شخص في إيطاليا، وهاجم وزير الداخلية الفرنسي هجمات الحلف واصفاً إياها بعدم الأخلاقية، كما طالبت المعارضة البريطانية بضرورة التروي ومنح الرئيس اليوغسلافي مهلةً إضافية[36].
وبمرور الوقت اتسعت هوة الخلاف داخل الناتو على النحو الذي أدى إلى زيادة الضربات والتركيز على تدمير البنية التحتية اليوغسلافية لإجبار ميلوسوفيتش على التراجع والتسليم بالمطالب الأمريكية. وبعد تسعة وسبعين يوماً من القصف المتواصل على يوغسلافيا تم التوصل إلى صفقة لوقف حملة الحلف وخروج القوات اليوغسلافية من كوسوفو. ثم صدر قرار مجلس الأمن رقم 1244 الذي كان من أبرز بنوده السماح بعد الانسحاب لعدد محدود من الجنود والشرطة اليوغسلاف والصرب بالعودة لكوسوفو لأداء المهام الإدارية، وإقامة وجود مدني وأمني دوليين تحت إشراف الأمم المتحدة، ومطالبة جميع الأطراف الألبانية بوضع حد للأعمال الهجومية[37]. وتمثل الوجود المدني بهيئة متخصصة تحت مسمى “أونميك” يترأسها ممثل عن الأمم المتحدة يعتبر الحاكم الفعلي لكوسوفو، وهي أشبه بإدارة انتقالية في إطار حكم ذاتي ريثما يتم التوصل إلى صيغةٍ نهائيةٍ للحُكم، أما الوجود الأمني فتمثل بالقوات الدولية التي تكونت من خمسين ألف جندي من 39 دولة تحت مسمى “كيفور”. والتي استمرت حتى اتفاق رئيس الهيئة الانتقالية- مبعوث الأمم المتحدة الفرنسي- برنارد كوشنير مع زعماء ألبان الأقاليم على إنهاء مؤسساتهم الخاصة بما فيها برلمان 1998، والحكومة المؤقتة برئاسة هاشم تاتشي اعتباراً من الأول من فبراير 2000. واستمر الإقليم تحت وضع الحكم الذاتي حتى السابع عشر من فبراير 2008 عندما أعلن انفصاله عن حكومة صربيا واستقلاله، الأمر الذي أيدته 91 دولة في مجلس الأمن[38].
ومن هنا فقد نجحت الولايات المتحدة بالتدخل عسكرياً دون أي تفويضٍ دولي في صراعٍ داخلي في صربيا، عبر إعلانها أن أي تردد من الجانب الصربي تجاه توقيع اتفاقية رامبوييه سيؤدي إلى بدء الضربات الجوية لحلف الأطلسي على صربيا، وكُلُّ ذلك وسط الصمت الروسي تجاه ذلك.
الإحجام عن التدخل: حالة الشيشان
منذ الوهلة الأولى للحملة الروسية الرامية لاستعادة الشيشان- الدولة التي فرضت الانفصال الواقعي عن روسيا- بدا واضحاً أن القيادة الروسية خططت لحملتها بشكل دقيق على كافة المستويات، العسكرية والإعلامية، وقد أسفر ذلك عن تبلور العمل العسكري الروسي بصورة “العمل القومي” الرامي إلى استعادة هيبة الدولة الروسية، فقد استطاعت الحصول على الدعم الشعبي، وإظهار العمل على أنه بمواجهة مجموعة من الإرهابيين الذين اغتصبوا الجمهورية، ولديهم برنامج لإقامة مجموعة جمهوريات أصولية في القوقاز. وقد استمرت روسيا في حملتها العسكرية على الشيشان في الفترة 1994-1996 حيث ارتكبت من المجازر والانتهاكات لحقوق الإنسان ما فاق تلك التي تعرض لها “الإنسان” في كوسوفو. وانتهت الحرب بهزيمة القوات الروسية التي عجزت عن تحمل خسائر حرب العصابات. وتم تجميد البت بشكل نهائي في مستقبل جمهورية الشيشان لمدة خمس سنوات[39].
وحيث فاقت مأساة أهل الشيشان عشرات المرات مأساة كوسوفو، فإن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وقفت موقف المتفرج دون أن تحرك ساكناً. فمثلما شنت روسيا حملتها العسكرية على الشيشان وفق حسابات سياسية واقعية ورؤية استراتيجية، فإن الحسابات السياسية والاستراتيجية الغربية والأمريكية بشكل أساسي جعلت ردود الفعل تقف عند حد إبداء درجةٍ محسوبةٍ وربما متفق عليها من التغطية الإعلامية في وسائل الإعلام الغربية.
الغزو الأمريكي للعراق عام 2003
عندما وافق العراق على قرار مجلس الأمن رقم 687 عام 1991، الذي قضى بإنشاء تدابير تفصيلية لوقف إطلاق النار، وإنشاء وكالة التفتيش الجديدة الخاصة بالعراق “يونسكوم” لمراقبة نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية والتثبت من ذلك، عملت الحكومة العراقية مع لجان التفتيش، ولكن هذه اللجان اعتبرت في النهاية أن العراق لم يمتثل لشروط نزع السلاح، ونتيجة لذلك واصل مجلس الأمن فرض عقوبات اقتصادية ضد العراق، وقام بتمرير عدد من القرارات التي تفرض على العراق شروطاً مشددة للحد من انتشار الأسلحة وإضعافه سياسياً واقتصادياً. وقد كان لفرض الحصار على العراق نتائج وخيمة، إذا تسبب في تدمير اقتصاد البلد وتراجع المستوى الصحي والتعليمي وتسبب في كارثة إنسانية بسبب نقص الغذاء والدواء. وقد رفض العراق قراري مجلس الأمن رقم 706 و712 اللذان يسمحان له ببيع النفط في مقابل الحصول على مساعدات إنسانية. لكنه وافق لاحقاً على قرار مجلس الأمن رقم 986 الذي أقر برنامج النفط مقابل الغذاء. وقد قامت الولايات المتحدة بنشر قوات برية على الحدود العراقية، وقامت بقصف العراق عام 1996 بعد اجتياح القوات العراقية أربيل أثناء الحرب الأهلية الكردية.
وفي أكتوبر 1998 وقع الرئيس الأميركي بيل كلينتون على قانون تحرير العراق، داعياً إلى تغيير النظام هناك، والبدء بعملية ثعلب الصحراء. وقد أدت هذه العملية إلى تقليص تعاون العراق مع قرار مجلس الأمن رقم 1284 عام 1999، الذي حل اللجنة الخاصة “يونسكوم” وشكل لجنة الأمم المتحدة للرصد والتحقق والتفتيش “أنموفيك” التي واصلت مراقبة تجريد العراق مما لديه من أسلحة الدمار الشامل، وإدارة نظام للرصد والتحقق المستمرين للتأكد من امتثال العراق لالتزاماته بألا يقتني من جديد الأسلحة.
قدمت إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش عدداً من الادعاءات الباطلة ضد العراق، بما في ذلك حصول العراق على اليورانيوم من النيجر، وأنه لديه أسلحة سرية في مرافق معزولة في جميع أنحاء العراق. ووافق صدام حسين تحت ضغط من الولايات المتحدة والأمم المتحدة على السماح للمفتشين بالعودة إلى العراق عام 2002، ولكن بحلول ذلك الوقت كانت إدارة بوش قد بدأت بالفعل في التحضير من أجل الحرب. وغيرت القوات الأمريكية في يونيو 2002 سياستها من المراقبة جنوب العراق إلى عملية التركيز الجنوبية وقصف المواقع في مختلف أنحاء العراق.
في نوفمبر تشرين الثاني 2002 صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1441 الذي يدين العراق، والذي نص على أن العراق في خرق جوهري لالتزاماته المنصوص عليها في القرارات ذات الصلة، وأن المجلس يمنح العراق بموجب هذا القرار فرصةً أخيرةً للامتثال بالتزاماته المتعلقة بنزع السلاح، كما يمنح المفتشين صلاحيات واسعة منها إمكانية الوصول فوراً ودون عوائق إلى كل المناطق التي يودون تفتيشها وإلى جميع الأشخاص الذين يودون مقابلتهم. وفي حالة رفض العراق التعاون مع هذه اللجان فإنه سيتحمل “عواقب وخيمة”[40]، وقد أعلنت كل من روسيا والصين وفرنسا أن القرار 1441 لا يُعطي الصلاحية باستعمال القوة العسكرية ضد العراق، وقد كان الموقفان البريطاني والأمريكي مع هذا الرأي، ولكن سرعان ما تغير ذلك.
في 20 مارس 2003 غزت الولايات المتحدة في تنظيم قوات التحالف العراق، مع إعلان أن السبب هو فشل العراق في التخلي عن برنامجه لتطوير الأسلحة النووية والكيميائية في انتهاك لقرار الأمم المتحدة رقم 687 وعدم التزامه بقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالسماح للجان التفتيش عن الأسلحة بمزاولة أعمالها في العراق. وقدمت الولايات المتحدة المزيد من مبررات الغزو من خلال إعلانها الرغبة في التخلص من دكتاتور ظالم، وجلب الديمقراطية إلى العراق، كما أعلن الرئيس جورج دبليو بوش بأن العراق كان عضوا في “محور الشر”، وأنه يشكل تهديداً خطيراً للأمن القومي للولايات المتحدة. ومع ذلك، ثبت وفق تقرير شامل لحكومة الولايات المتحدة، أنه لم يتم العثور على أسلحة الدمار الشامل.
وفي الحقيقة يُعد الغزو الأمريكي للعراق تجاوزاً للشرعية الدولية، حيث لم يخوّل القرار 687 أو أيُّ قرارٍ آخر من مجلس الأمن الدولي قبل القرار 1441 الولايات المتحدة وحلفائها بدخول العراق عام 2003، وحيثُ فسّرت العديد من الدُّول نصّ القرار 1441 بأنه لا يعطي الصلاحية بتدخل دولي، فقد كان التدخل الأمريكي مبنياً على تفسير انفردت به الولايات المتحدة وبريطانيا لقرار مجلس الأمن.
ويرى الكثيرون أن الغزو كان مخالفاً للبند الرابع من المادة الثانية لميثاق مجلس الأمن والتي تنص على امتناع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد “الأمم المتحدة”، وصرّح السكرتير العام للأمم المتحدة كوفي عنان صرح بعد سقوط بغداد أن الغزو كان منافياً لدستور الأمم المتحدة[41].
المبحث الثاني: التدخل الدولي في سوريا
إن تتبع سياق التدخل الدولي منذ حرب الخليج الثانية مروراً بالحالة البوسنية وكوسوفو وحالة الشيشان ثم الغزو الأمريكي للعراق يدفعنا إلى الاعتقاد بأن التدخل الدولي في ظل النظام الدولي الحالي لا يُبنى بشكلٍ أساسي على اعتباراتٍ قانونية، وإنما يُبنى على اعتباراتٍ سياسية بالدرجة الأولى، وأن في استطاعة الدول العظمى كالولايات المتحدة اتخاذ إجراءات خارج إطار القانون الدولي للتدخل في شؤون الدول. وفي الحقيقة فإنّ تاريخ العلاقات الدولية حافلٌ بالأمثلة الأخرى على التدخل الدولي وفقاً لاعتباراتٍ قانونيةٍ وسياسية.
وفي هذا المبحث نستعرضُ أولا ما وثّقته جهاتٌ دولية من جرائم دولية في سوريا منذ 15 آذار/ مارس 2011 باعتبارها تتضمن الأسانيد القانونية التي تجيز التدخل الدولي لحماية المدنيين، والثاني الاعتبارات السياسية التي يُبنى عليها هذا التدخل لاستيضاح كيف أن العوامل السياسية هي الحاكمة وليست الاعتبارات السياسية فحسب
المطلب الأول: الجرائم الدولية في سوريا
دفع تدهور الحالة في سوريا مجلس حقوق الإنسان إلى إنشاء لجنة تحقيق دولية مستقلة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان منذ آذار/ مارس 2011. وقد عقدت اللجنة في الفترة الممتدة من نهاية أيلول/ سبتمبر حتى منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 اجتماعات مع دول أعضاء من المجموعات الإقليمية كافةً، ومع منظمات إقليمية، بما فيها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ومنظمات غير حكومية، ومدافعين عن حقوق الإنسان وصحفيين وخبراء. وأجرت اللجنة مقابلات مع 223 شخصاً من ضحايا الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان والشهود عليها، من بينهم مدنيون ومنشقون عن القوات العسكرية والأمنية.
وقد وثقت اللجنة في تقرير لها عرف باسم تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية بتاريخ 23/نوفمبر/2011[42]- أنماطاً من عمليات الإعدام بإجراءات موجزة، والاعتقالات التعسفية، وحالات الاختفاء القسري والتعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي، فضلاً عن انتهاكات حقوق الطفل. ويدل جل الأدلة التي جمعتها اللجنة على أن هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان قد ارتُكبت في مواقع مختلفة في سوريا خلال الفترة التي تم استعراضها، وأوردت اللجنة هذه الانتهاكات تحت عنوان “انتهاكات وجرائم تندرج في إطار القانون الدولي الواجب التطبيق، ألف: القانون الدولي لحقوق الإنسان”.
وقد توزعت هذه الجرائم حسب التقرير كما يلي:
- ترسيخ نظام الإفلات من العقاب لمرتكبي الجرائم الدولية.
- الاستخدام المفرط للقوة، والإعدامات خارج نطاق القضاء، والانتهاكات الأخرى للحق في الحياة.
- انتهاكات الحق في التجمع السلمي والحق في حرية التعبير.
- الاحتجاز التعسفي وانتهاكات الحق في محاكمة عادلة.
- التعذيب والعنف الجنسي.
- انتهاكات حقوق الطفل.
- انتهاك الحق في حرية التنقل.
- انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وقد خلُصت اللجنة إلى حدُوث جرائم ضد الإنسانية في سوريا شملت القتل العمد، والتعذيب، والاغتصاب، أو غير ذلك من أشكال العنف الجنسي التي هي على مثل هذه الدرجة من الخطورة، والسجن أو غيره من أشكال الحرمان الشديد من الحرية، والاختفاء القسري للأشخاص، والأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل، في أماكن مختلفة من البلد منذ آذار/ مارس 2011 ومنها على سبيل المثال لا الحصر دمشق ودرعا ودوما وحماة وحمص وإدلب وعلى طول الحدود . وحمّل التقرير الجمهورية العربية السورية المسؤولية عن هذه الجرائم والانتهاكات، ويقع عليها كذلك واجب ضمان معاقبة الأفراد الذين ارتكبوها وجبر الأضرار التي لحقت بالضحايا .
كما صدر تقرير ثان عن اللجنة بتاريخ 22/فبراير/2012[43] تحدث عن تدهوُر حالة حقوق الإنسان في سوريا منذ نوفمبر 2011 مسببةً المزيد من المعاناة للشعب السوري. وعن فشل الحكومة السورية في الاضطلاع بمسؤوليتها عن حماية الشعب، حيث ارتكبت قواتها منذ نوفمبر/2011 المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة والمنهجية والجسيمة. لكن هذا التقرير اختلف عن سابقه بإشارته إلى ارتكاب الجماعات المناهضة للحكومة تجاوزات أيضاً وإن كانت لا تُقارن من حيث النطاق والتنظيم بالتجاوزات المرتكبة من قبل القوات الحكومية .
وقد اقتنعت اللجنة بوجود مجموعة موثوقة من الأدلة التي توفر أسباباً معقولةً للاعتقاد بأن أفراداً بعينهم، بما في ذلك قيادة ومسؤولون في أعلى مستويات الحكومة، يتحملون المسؤولية عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات جسيمة أخرى لحقوق الإنسان. وقد أودعت اللجنة لدى مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أسماء هؤلاء الأشخاص، الأمر الذي قد يساعد السلطات المختصة في إجراء تحقيقات تتسم بالمصداقية في المستقبل .
وقد حمّلت اللجنة المسؤولية عن الجرائم ضد الإنسانية، والانتهاكات والتجاوزات الجسيمة كما يلي:
1- سلطات الدولة :
أ- سياسات وتوجيهات الدولة: عززت الأدلة التي جُمِعَت اقتناع اللجنة بحدوث انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تبعاً لسياسة تنتهجها الدولة، وبأن أوامر ارتكاب هذه الانتهاكات ناشئةٌ عن السياسات والتوجيهات الصادرة على أعلى المستويات في القوات المسلحة والحكومة. وأن تنفيذ معظم ما ارتُكب من جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في عمليات معقدة يتطلب توجيهات عليا، وشاركت فيه جميع الأجهزة الأمنية.
قام مسؤولو الدولة، بمساعدة من بعض رجال الأعمال الذين يقيمون علاقات مع الأجهزة الأمنية، بدفع أجور الشبيحة وتسليحهم وتنظيمهم بطريقة غير رسمية. ووثقت اللجنة كيفية الاستخدام الاستراتيجي لأفراد الشبيحة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات جسيمةً أُخرى, كم شاركت قوات الأمن في العديد من العمليات بزي مدني.
2- المسؤولية الفردية عن الانتهاكات: تلقت اللجنة أدلةً موثوقة ومتطابقة بين أن ضباطاً من رتبٍ عالية ومتوسطة في القوات المسلحة أصدروا أوامر إلى مرؤوسيهم بإطلاق النار على المحتجين العُزل، وقتل الجنود الذين رفضوا الانصياع إلى هذه الأوامر، واعتقال الأشخاص دون سبب، وإساء معاملة المعتقلين، وقصف الأحياء المدنية بشكل عشوائي مستخدمين مدافع الدبابات والرشاشات. كما أصدر هؤلاء الضباط أوامر صريحةً بارتكاب جرائم. وتحققت اللجنة من أن ضباطاً في الجيش أصدروا أوامر بالقصف العشوائي للأحياء المدنية.
كما تحققت اللجنة من قيام ضباط في القوات المسلحة وقوات الأمن الحكومية شخصياً وبصفةٍ فردية بقتل مدنيين أبرياء، أو سجنهم بصفةٍ غير قانونية أو عذبوهم أو ارتكبوا أعمالاً أخرى غير إنسانية ضدهم. وأطلق ضباطٌ النار على المحتجين العُزَّل بمن فيهم الأطفال، وكذلك على الأطباء وسائقي سيارات الإسعاف والمشيعين في الجنازات. كما شارك ضباطٌ في الجيش وأفرادٌ في قوات الأمن في شن هجمات ضد المدنيين وفي التحريض على شنِّها، كما أطلقت قوات الأمن النار في عدة مناسبات على المجندين الذين عصوا أوامر إطلاق النار على المحتجين. وبالإضافة إلى ذلك أدار قادة قوات الأمن مراكز الاعتقال في جميع أنحاء البلد حيث تعرَّض السجناء للتعذيب والاعتداءات الجنسية وأفعال لا إنسانية أخرى.
3- مسؤولية القيادة والسلطة العليا: أشارت اللجنة في التقرير إلى الاشتباه في تحمل عدد من القادة العسكريين والرؤساء المدنيين المسؤولية عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية لعدم قيامهم عن علم باتخاذ جميع التدابير الضرورية والمعقولة التي تدخل ضمن نطاق سلطتهم لمنع مرؤوسيهم من ارتكاب الجرائم ذات الصلة أو لقمع ارتكابها أو لعدم إحالة المساءلة إلى السلطات المختصة. ومن الحالات التي تدل على تحكم القادة بمرؤوسيهم تعرُّض الجنود الذين كانوا يرفضون الانصياع للأوامر المخالفة للقانون بشكل ظاهر والتي تقضي بارتكاب جرائم ضد الإنسانية لعقوبات شديدة تشمل الإعدام. فالطابع الواسع النطاق والمتكرر لهذه الجرائم وما يتوافر بشأنها من تقارير علنية أعدتها وسائط الإعلام الدولية التي تبث باللغة العربية وآليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وبعثة المراقبين التابعة لجامعة الدول العربية كلها أمور تدل على أن القادة العسكريين والرؤساء المدنيين على أعلى المستويات كانوا على معرفةٍ بهذه الأحداث، وفي 7 كانون الأول/ ديسمبر 2011 أشار رئيس الجمهورية نفسه في مقابلة تلفزيونية إلى النتائج التي خلصت إليها هذه اللجنة في تقريرها الأول.
وثقت اللجنة حالات تبين أن بعض الضباط الذين شاركوا بشكل مباشر في جرائم ضد الإنسانية قد حصلوا على ترقية أو على ثناء. وتثبت الأدلة المتوافرة للجنة الجهود المتسقة والمستمرة التي تبذلها الحكومة وقوات الجيش وقوات الأمن لطمس الحقائق المتعلقة بالجرائم. كما رأت اللجنة أن وسائط الإعلام الموالية للحكومة تُستخدم للتستر على الانتهاكات أو تنسب هذه الانتهاكات بشكل كاذب إلى الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة.
2- الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة بما فيها الجيش الحر :
ذكرت اللجنة المذكرة الشفوية التي قدمتها الحكومة السورية في 23 كانون الثاني/ يناير 2012 التي وجهتها إلى اللجنة والتي تحدثت عن “انتهاكات الحق في الحياة التي ترتكبها الجماعات المسلحة ضد المواطنين”، كما وثقت عدة حالات تُظهر انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتكبها أفراد في مختلف جماعات الجيش السوري الحر. وعلى الرغم من ذلك فقد نقلت اللجنة عن قيادة الجيش السوري الحر في الخارج أنها صرحت بأن الجماعات الموجودة في الميدان لا تتلقى الأوامر منها، وتعتبر في نفس الوقت أن دورها يتمثل في تيسير التنسيق بين مختلف جماعات الجيش السوري الحر وضمان اتصالاته الإعلامية. كما لم تتمكن اللجنة من التحقق من وجود سلسلة قيادة أو علاقة رئيس/مرؤوس بين القيادة العليا للجيش السوري الحر والوحدات المحلية، ولذلك لم يكن بمقدورها تحديد المسؤولية الفردية لقادة الجيش السوري الحر في الخارج.
أيضاً لم تتمكن اللجنة من أن تتبين إلى أي مدى تخضع مختلف جماعات الجيش السوري الحر التي تقوم بعمليات داخل سوريا لقيادة الجيش السوري الحر في الخارج وسيطرته، حيث أشارت إلى أن بعض الجماعات المحلية تُقر بقيادة هذا الجيش على الرغم من أنها لا تتصل به بصورة منتظمة أو تتلقى أوامر محددة منه، في حين تكتفي بعض الجماعات باعتماد اسم الجيش السوري الحر لتأكيد تطلعاتها الثورية أو خلفيتها العسكرية أو أنها ليست من عناصر الشبيحة.
وعلى الرغم من إقرار اللجنة بأنه قد تكون هناك مسؤولية جنائية بموجب القانون الدولي تقع على عاتق أفراد الجيش السوري الحر بمن فيهم القادة المحليون الذين يتحملون المسؤولية القيادية، إلا أن اللجنة ذاتها أقرت في التقرير نفسه إلى أن الانتهاكات التي قامت بها “الجماعات المسلحة” لا تُقارن من حيث النطاق والتنظيم بالتجاوزات المرتكبة من قبل القوات الحكومية .
ولم يقتصر الأمر على ما ورد في التقريرين السابقين ، بل أرسلت منظمة العفو الدولية بياناً إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جلسته الخاصة حول سوريا في حزيران/ يونيو 2012 [44] تحدثت فيه عن “الهجوم الوحشي على الحولة” الذي أدى إلى قتل مدنيين من رجال ونساء وأطفال. وطالبت المنظمة مجلس حقوق الإنسان بأن يدعو الأمم المتحدة للتحرك من أجل وضع حد للعنف المتصاعد والقمع، وضمان المساءلة القانونية عن الانتهاكات والتجاوزات، التي تتضمن جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. وأوصت المنظمة مجلس حقوق الإنسان بالتأكيد على أن يذكر المجلس في قراراته التي يخرج بها المجلس صراحةً الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا. ولم تتمكن منظمة العفو الدولية – كغيرها من منظمات حقوق الإنسان الدولية – منذ بداية الاضطرابات من إجراء بحث على الأرض في سوريا، حيث تم منعها من دخول الدولة من قبل الحكومة السورية. وقد حاولت المنظمة مراراً طلب تصريح لدخول الدولة ولكن من دون أي رد إيجابي من قبل الحكومة ومع تزايد خطورة الوضع الإنساني في سوريا ورفض الحكومة لأي شكل من أشكال التحقيق قررت المنظمة دخول سوريا لإجراء تحقيق مباشر دون تصريح من الحكومة السورية [45].
وقد قامت اللجنة بالفترة الواقعة بين منتصف نيسان/ أبريل ونهاية أيار/ مايو 2012 بإجراء تحقيق على الأرض في الشمال الغربي لمحافظة إدلب، وفي مناطق محيطة بمدينة إدلب (حزانو، كيللي، سراقب، سرمين، تفتناز)، وفي مناطق في جبل الوسطاني وجبل الزاوية (البشيرية، كفر ميد، بيفتامون، مشمشان، سنقرة، بساماس، دير سنبل، الليج، المزورة، عين العروس، كفر عويد، قوقفين)، وفي شمالي محافظة حلب (عندان، حيان، تل رفعت، مدينة حلب). تضمنت هذه التحقيقات 200 مقابلة مع أقرباء الشهداء والمعتقلين، والذين دُمّرت بيوتهم وتضررت أو أُحرِقت أو نُهِبت ممتلكاتهم، والناجين من الهجمات، والشهود والمعتقلون المُفرَج عنهم. وأصدرت المنظمة في 14 حزيران/ يونيو 2012 تقريراً بعنوان “انتقامات مميتة: قتل متعمد وانتهاكات أخرى من قبل القوات المسلحة السورية DEADLY REPRISALS: DELIBERATE KILLINGS AND OTHER ABUSES BY SYRIA’S ARMED FORCES” . وقد وثقت المنظمة في التقرير الجرائم التالية:
1- القتل المتعمد: في مدينة تلو الأخرى، وقريةٍ تلو الأخرى أخذ السكان المذهولون بصفون لمنظمة العفو الدولية كيف قُتِل أقرباؤهم وجيرانهم بدمٍ بارد من قبل قوات الأمن السورية، رغم أنهم لم يكونوا قد انضموا إلى القتال، ولم يكونوا يمثلون أي تهديد للجنود بعد تعرُّضهم للاعتقال أو الإصابة .
2- الهجمات العشوائية التي أدت إلى خسائر بشرية في صفوف المدنيين: في الوقت الذي كان الرجال والأطفال أهدافاً للإعدامات خارج نطاق القضاء، تعرَّض المئات من المارة الذين لم يشاركوا في الصراع إلى القتل والإصابة نتيجةً للقصف وإطلاق النار العشوائيين على يد القوات المسلحة السورية، في سياق عمليات التوغُّل والهجوم. كما شهد وفد منظمة العفو الدولية خلال زياراته للمدن والقرى حول إدلب وفي منطقة جبل الزاوية العديد من حالات إطلاق النار العشوائي من مواقع تابعةٍ للجيش .
3- التدمير الوحشي للبيوت والممتلكات: شهد وفد منظمة العفو الدولية في كل بلدة زارها عمليات توغُّل عسكرية، وتسبب الجيش السوري بمستوىً من الدمار الغير مبرر. وتمّ قصف المنازل بقذائف الدبابات بطريقة عشوائية، وغالباً ما كان الأطفال والنساء وكبار السن هم الأشخاص الوحيدون داخل المنازل، ولم تكُن هناك اشتباكاتٌ في الجوار. وتمّ حرقُ البيوت بأسلوب منهجي ومُتعمَّد.
4- التعذيب والاعتقال التعسفي: تعرّض المعتقلون للتعذيب بصورةٍ روتينية لإجبارهم على تقديم اعترافات تُدينهم، وتظهر آثار هذا التعذيب على المعتقلين الذين تمّ إطلاقُ سراحِهِم كالكسور في العظام، وفقدان الأسنان، والندوب العميقة، والجروح جراء الصدمات الكهربائية والضرب المبرّح والجلد بالأسلاك الكهربائية وأدوات أخرى .
أكدت اللجنة على أن عمليات القتل وتدمير المنازل والممتلكات من قبل القوات السورية الموثقة في التقرير تشكل انتهاكات للقانون الدولي، كما تشكل بعض الحالات جرائم تحت القانون الدولي. وقد أشار البحث الذي أجرته المنظمة أن الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأمن السورية منذ آذار/ مارس 2011 هي انتهاكات واسعة ومنهجية، وهجمات على السكان المدنيين، لذلك فهي تشكل جرائم ضد الإنسانية. وبعد الاطلاع على أن الانتهاكات الخطيرة الموثقة في هذا التقرير تم ارتكابها في ما يبدو أنه صراعٌ مسلح، فإن العديد منها قد يُشكّل جرائم حرب .
الوضع القانوني في الحالة السورية
نوجز ما استخلصته “لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا” و”منظمة العفو الدولية” من الانتهاكات للاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي ارتكبها نظام بشار الأسد منذُ آذار/ مارس 2011 كما يلي:
1- انتهاك اتفاقيات جنيف الأربعة[46].
2- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية[47].
3- اتفاقية حقوق الطفل[48].
4- اتفاقية مناهضة التعذيب[49].
5- العهد الدولي لخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية[50].
كما أشارت التقارير السابقة إلى وقوع جرائم ضد الإنسانية[51]، وجرائم حرب في سوريا[52]. ومن هنا يُعدّ نظام بشار الأسد منتهكاً للقانون الدولي الإنساني ومرتكباً لجرائم دوليةٍ مما يوفرُ الاعتباراتِ القانونية للتدخل الدولي في سوريا. ولكن بالنّظر إلى حالات التدخل وفق الاعتبارات السياسية نجدُ أن الاعتبارات القانونية ليست وحدها كافيةً لتحريك المجتمعِ الدولي تجاه سوريا.
المطلب الثاني: مُحدّدات التدخل الدولي في سوريا
كُنّا قد أشرنا في المطلب السابق تحديداً إلى قيام نظام الأسد بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب حسب تقارير لجنة التحقيق المستقلة بشأن سوريا ومنظمة العدل الدولية. إذاً يُعتبرُ نظامُ الأسد من الناحية القانونية منتهكاً لأحكام القانون الدولي الإنساني، مرتكباً لجرائم دولية، إذاً فالشرعية القانونية للتدخل متوفرةٌ كما كانت في البوسنة والهرسك، وكوسوفو، والشيشان. وفي الحقيقة تختلف الظروف السياسية المحيطة بالأزمة السورية عن ظروف الحالات الثلاث تلك، وبشكل خاص ما يتعلق بطبيعة العلاقات الروسية الأمريكية التي تعتبر المُحدّد الرئيسي للتدخل الدولي
العلاقات الروسية الأمريكية
كانت روسيا الاتحادية في فترات الحالات الثلاث المذكورة خاصة البوسنة، كوسوفو” تمرّ بأسوأ فتراتها من حيثُ انتشار الفساد والانهيار الاقتصادي والمشاكل السياسية والاجتماعية. وكانت الإدارة الروسية الوسطيّة ممثلةً بـ”بوريس يلتسين” تحاول في خِضمّ ذلك التخلص من سياسات الحرب الباردة على المستوى الداخلي والخارجي، وتبحثُ عن التوافق مع الغرب، ولذلك لم تعارض روسيا بشدّة قرارات الولايات المتحدة في التدخل، بدءاً بعقد اتفاقية دايتون بين البوسنيين والصرب، مروراً بالتدخُّل المباشر ودون تفويض من مجلس الأمن في كوسوفو،
بينما تمرُّ روسيا في الوقت الحالي بفترة استقرار اقتصادي في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها الولايات المتحدة ودول أوروبا الشرقية، حيثُ تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن استعداد روسيا لمساعدة أوروبا على حل الأزمة الاقتصادية، مشيراً إلى قدرة الاقتصاد الروسي على مواجهة أي اضطرابات قد تصل إلى روسيا[53]، كما ساهمت الشراكة الجديدة مع الهند والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا أو ما يسمى بالبريكس في تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي على حدٍّ سواء، مما دفع روسيا إلى الوقوف بخطوات أكثر ثباتاً ضد التدخل الأمريكي في الأزمة السورية مقارنة بحالتي البوسنة وكوسوفو.
تجاوُز الفيتو في مجلس الأمن الدولي
على الرغم من عدم رُقيّ مشاريع القرارات في مجلس الأمن الدولي إلى المستوى المطلوب فإن تهديد روسيا و الصين باستخدام الفيتو له آثار كبيرة على امكانية للتدخل الدولي عبر مجلس الأمن باتخاذ قرارات للتدخل العسكري لإيقاف نظام الأسد عن ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، أو اتِّخاذ “تدابير إضافية” حال عدم التزام النظام بخطة المبعوث الدولي العربي المشترك كوفي أنان، حيث يعيق هذا الفيتو أية إجراءات قد تؤدي إلى تدخُّل عسكري في سوريا. أو محاكمة بشار الأسد وضباطه ومعاونيه في المحكمة الجنائية الدولية. وذلك لأن سوريا ليست موقعة على النظام الأساسي لمحكمة روما، فتحتاج المحكمة في هذه الحالة إلى تفويض من مجلس الأمن الدولي للنظر في هذه القضية.
وبالرغم من أن الولايات المتحدة تجاوزت الفيتو الروسي في حالة البوسنة والهرسك كما سبق القول وتدخلت بعد فشل كُلِّ الجهود الدولية حتى العام 1995 في حل الصراع الدائر في البوسنة والهرسك بشكل منفرد وعملت على تسوية بين الأطراف في اتفاقية دايتون. مما يدفعُنا للاعتقاد بأن الفيتو الروسي، أو معارضة روسيا للتدخل العسكري في سوريا ليسا عقبتين لا يمكن التغلب عليهما من قبل الولايات المتحدة حال توافُر الرغبة لديها بالتدخل لحل الأزمة في سوريا.
خاتمة
على الرغم من تصدُّر المشهد السوري نشرات الأخبار في وسائل الإعلام المختلفة، وأجندات لقاءات الرؤساء والمسؤولين، إلا أن هذا الانتشار حتى هذه اللحظة لم يفلح في جلب المساعدة المطلوبة لإنقاذ السوريين ودفع أذى النظام عنهم. والمحاولات التي مضى فيها المجتمع الدولي لاستكشاف الوضع في سوريا من إرسال لجنة التحقيق المستقلة بشأن سوريا ولجنة المراقبين التابعة لجامعة الدول العربية ثمَّ لجنة المراقبين التابعة للأمم المتحدة أنتجت كماً من المعلومات الموثقة الكافية لإدانة النظام وفق الشرائع الدولية. ولكن يبدو أن المجتمع الدولي يستند في تحرُّكه إلى أجندات سياسية تحكمها مصالح الدول الكبرى كالولايات المتحدة وروسيا، الدولتان اللتان إذا لم تتحرّك إحداهما أو كلاهما لحل القضية بقيا عقبتين وحجري عثرة في طريق الثورة السورية. ثمّ إن خلافات الدول الكبرى بين بعضها في زمن الثورة السورية أدّى إلى ربط القضية بملفاتٍ أُخرى بعيدة عنها، فاقترنت تصريحات المسؤولين بشأن سوريا بتلك المتعلقة بالملف النووي الإيراني مثلاً.
وعلى الرغم من تزايد وتيرة العُنف من قبل النظام وبدئه بمحاصرة المدن وقصفها واستعمال أسلحةٍ ثقيلة جديدة كالمروحيات الحديثة، وبالمقابل تنامي قدرات الجيش السوري الحر الدفاعيةّ وازدياد قدرته على المواجهة، فإن التدخل الدولي لا يبدو قريباً كما أكّد المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي في لقاءٍ مع قناة الجزيرة في 29 أيار/ مايو 2012 قائلاً: “ليس هناك من يريد التدخل، وإني متأكد أنهم في واشنطن ولندن كانوا يهللون للفيتو الذي اتخذته كل من روسيا والصين لأن ذلك أعطاهم ذريعة للقيام بما كانوا سيقومون به على أية حال وهو عدم القيام بشيء، إنهم يعملون ما يحلو لهم في معزل عن الأمم المتحدة ولكنهم قادرون على إطلاق التصريحات النبيلة حول الحرية وما إلى ذلك دون القيام بالكثير”.
[1] Zaid Eyadat, The Arab Revolutions of 2011: Revolutions of Dignity: Change and Opportunities in the Emerging Mediterranean (Mediterranean Academy of Diplomatic Studies, Malta, 2011) P.3
[4] “حقائق وأرقام عن البروتوكولين الإضافيين الأول والثاني إلى اتفاقيات جنيف لعام 1949، 31-05-2007 موجز وقائع قانونية”، مرجع سابق
[8] بدر حسن شافعي، تسوية الصراعات في أفريقيا نموذج الإيكواس (القاهرة، دار النشر للجامعات، الطبعة الأولى، 2009)ص 47
[9] عماد جاد، التدخل الدولي بين الاعتبارات الانسانية والأبعاد السياسية (القاهرة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الطبعة الأولى، 2000) ص 55
[10] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص ص 55-56
[11] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص 56
[13] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص 55
[14] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص ص 58-59
[15] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص 60
[17] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص 62
[19] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص 63
[20] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص 76
[21] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص ص 70-71
[22] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص 69
[25] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص ص 73-74
[27] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص 89
[28] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص 90
[29] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص 92
[30] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص 93
[31] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص 97
[32] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص ص 98-99
[33] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص 101
[34] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص ص 103-104
[35] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص ص 104-106
[36] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص ص 109-110
[37] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص 110
[38] تحتاج كوسوفو لاعتراف ست دولٍ أخرى كي تصبح عضواً في الأمم المتحدة، الأمر الذي ترفضه روسيا وصربيا بشدة.
[39] عماد جاد، التدخل الدولي، مرجع سابق، ص ص 123-126
[47] “تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية بتاريخ 23/نوفمبر/2011″، مرجع سابق، ص ص23-24
“DEADLY REPRISALS: DELIBERATE KILLINGS AND OTHER ABUSES BY SYRIA’S ARMED FORCES”, op. cit. pp 57-60
[48] “تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية بتاريخ 23/نوفمبر/2011″، مرجع سابق، ص 24
[49] “تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية بتاريخ 23/نوفمبر/2011″، مرجع سابق، ص 24/ “DEADLY REPRISALS: DELIBERATE KILLINGS AND OTHER ABUSES BY SYRIA’S ARMED FORCES”, op. cit. p 58
[50] “تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية بتاريخ 23/نوفمبر/2011″، مرجع سابق، ص 25/ “DEADLY REPRISALS: DELIBERATE KILLINGS AND OTHER ABUSES BY SYRIA’S ARMED FORCES”, op. cit. pp 57-58
[51] “تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية بتاريخ 23/نوفمبر/2011″، مرجع سابق، ص 1، ص 5، ص ص 25-26، ص ص 28-29/ “تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية بتاريخ 22/فبراير/2012″، مرجع سابق، ص ص 21-25، ص 29/ “AMNESTY INTERNATIONAL WRITTEN STATEMENT TO HRC SPECIAL SESSION ON SYRIA: JUNE 2012″, op. cit./ “DEADLY REPRISALS: DELIBERATE KILLINGS AND OTHER ABUSES BY SYRIA’S ARMED FORCES”, op. cit. P 7, p 10, p 55, pp 60-61
[52] “AMNESTY INTERNATIONAL WRITTEN STATEMENT TO HRC SPECIAL SESSION ON SYRIA: JUNE 2012″, op. cit./ “DEADLY REPRISALS: DELIBERATE KILLINGS AND OTHER ABUSES BY SYRIA’S ARMED FORCES”, op. cit. P 7, p 10, pp 55-57, p 60