لا يكاد ينقضي عجبنا من الشيخ البوطي الذي وقف مع العصابة الحاكمة الجائرة في سوريا بكل ثقله ، وإن تعجب فعجب قوله في خطبة الجمعة بتاريخ 18-5-1012 عن الثوار (ولكن أعود فأسأل ما الربح المالي الذي عادوا به من وراء هذا الأمر؟ قيل لي : إنها مخدرات أخذوها فهيجت أعصابهم وجعلتهم يشمئزون من الحياة وجعلتهم يعشقون الدم ورؤيته والقتل ومظاهره(
هل من المعقول أن يقبل هذا التقول والاتهام من إنسان عامي بدون بينة ؟! فإذا كان هذا لا يقبل من إنسان عامي فكيف إذا كان قائله ممن درس الفقه وغاص في أغوار نصوصه.
قيل لي .. ومن الذي قال لك ؟! وكان عليك وقد قيل لك أن تخالط الثوار وترقبهم وترى بعينك المخدرات التي أخذوها فهيجت أعصابهم وجعلتهم يعشقون سفك الدم ، والله عزو وجل يقول : وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين . ويقول تبارك اسمه : يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين .. فالتثبت هو : بذل الجهد والوسع لمعرفة حقيقة الحال ، والتبين هو : التأكد من حقيقة الخبر وظروفه .. يقول الحسن البصري : المؤمن وقاف حتى يتبين . وروى مسلم في صحيحه عن حفص بن عاصم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع .
والأصل في المسلم حسن الظن والسلامة ، أما الانسياق وراء الظنون والأوهام وإلقاء التهم جزافا بدون تثبت كهذه التهمة الخطيرة تناول الثوار للمخدرات المؤدي إلى عشق رؤية الدم والقتل .. فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على اتباع الهوى . قال الله تعالى : إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ، والهوى يهوي بصاحبه كما قال الشعبي رحمه الله .. الهوى يعمي البصيرة فيظلم القلب ؛ كما قال الحكيم أبو بكر الوراق : إذا غلب الهوى أظلم القلب ، وإذا أظلم القلب ضاق الصدر ، وإذا ضاق الصدر ساء الخلق ، وإذا ساء الخلق أبغضه الخلق . ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين .
كيف تلقي التهم بناء على قيل لي بدون تثبت .. قال الإمام الغزالي : اعلم أن سوء الظن حرام ، مثل سوء القول .. ويقول ابن قدامة في كلام دقيق : فليس لك أن تظن بالمسلم شرا إلا إذا انكشف لك أمر لا يحتمل التأويل ، فإن أخبرك بذلك عدل فمال قلبك إلى تصديقه كنت معذورا .. ولكنه أشار رحمه الله إلى أمر مهم فقال : بل ينبغي أن تبحث هل بينهما عداوة أو حسد . وحكى القرطبي عن أكثر العلماء : أن الظن القبيح بمن ظاهرة السوء لا يجوز ..
فإذا كان سوء الظن بالمسلم لا يجوز فهل تجوز الشهادة بدون تثبت وتبين ؟!
يقول أحد الفضلاء : والفطن من يميز بين خبر الفاسق وخبر العدل ، ومن يفرق بين خبر عدل عن ندٍ له ، أو عمن يحمل له حقدا ، وبين شهادة العدل المبرأة من حظ النفس ، والظن لا يغني من الحق شيئا ، ومن يفرق بين خبر دافعه التقوى ، وخبر غرضه الفضيحة والتشهير . والذي لم يتخلق بخلق التثبت تجده مبتلى بالحكم على المقاصد والنوايا والقلوب ، وذلك مخالف لأصول التثبت .
يقول الشافعي ووافقه البخاري : الحكم بين الناس يقع على ما يُسمع من الخصمين بما لفظوا به ، وإن كان يمكن أن يكون في قلوبهم غير ذلك .
ولعمري إن لمن أخطر المزالق إحسان الظن بمن ليس أهلا للثقة ، ثم يكون أسيرا لأخباره ، أُذنا لأقواله ، يصغي إليه ويصدقه .
يا دارس الفقه يا بوطي : ألم تعلم أن من أصول الشهادة التثبت وألا يؤخذ أحد بالقرائن طالما هو ينكر ولا يقر ، والشواهد في السنة وأقوال جهابذة العلماء كثيرة متوافرة .. روى ابن ماجه بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمت فلانة فقد ظهر فيها الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها .. ومع ذلك لم يرجمها رسول الله .. يقول ابن حجر : المصيبة إنما تدخل على الحاكم المأمون من قبوله قول من لا يوثق به إذا كان هو حسن الظن به ، فيجب عليه أن يتثبت في مثل ذلك .. وقد أفتى الحسن البصري تحريا للتثبت : لا تشهد على وصية حتى تقرأ عليك ، ولا تشهد على من لا تعرف ..
قال الشوكاني في تفسير قول الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا .. ومن التثبت الأناة وعدم العجلة والتبصر في الأمر الواقع والخبر الوارد حتى يتضح ويظهر.
فهل قمت بكل هذا يا بوطي حتى حكمت على الثائرين على الظلم القائمين بأفضل الجهاد بتناول المخدرات أو حبوب الهلوسة كما قال القذافي وكما قيل لك ، وهل صح عندك الخبر كالشمس في رابعة النهار .
نوصيك يا بوطي ألا تجعل بطانتك من النمامين لأن النمام فاسق ، وفي ذلك يقول ابن قدامة المقدسي : لا تصدق الناقل لأن النمام فاسق ، والفاسق مردود الشهادة . فكيف إذا كان الناقلون لك من عناصر المخابرات وأكابر المجرمين ؟؟!!
ألا إنك ولغت في أكبر الكبائر ألا وهي قول الزور وشهادة الزور .. روى البخاري عن أبي بكرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله وعقوق الوالدين ، وكان متكئا فجلس فقال : ألا وقول الزور وشهادة الزور ، ألا وقول الزور وشهادة الزور . فما زال يقولها حتى قلت : لا يسكت .
وقد ذكر البغوي والقرطبي في تفسيره : كان عمر بن الخطاب يجلد شاهد الزور أربعين جلدة ويسخم وجهه ويطوف به في السوق .
أما آن لك يا بوطي أن ترعويوتزدجر وترجع إلى الجادة وقد بلغت من الكبر عتيا ، أما آن لك أن تبصر الحق ، أما آن لك أن ترجع إلى الرشد .. أما آن لك أن تعلم أن هذه الثورة إنما ثورة على الباطل والضلال والظلم ، أما آن لك أن تقف مع المظلوم ضد الظالم .. أم أنك أصبحت رئيس مكافحة المخدرات !!