حضرت المرأة السورية بقوة في كل منعطفات الثورة السورية، منطلقة من هدفها السامي الرامي لنيل الحرية والديمقراطية ، وتغيير الوضع القائم والتضحية مقابل ذلك بكل ما تستطيعه ، وشاركت الرجل بكل فعالياتها فنالها ما نالها جراء هذه المشاركة من قتل واعتقال وتعذيب بل فاقت الرجال مأساة بتعرّضها إلى أقسى درجات العنف النفسي والجسدي ضد المرأة المتمثّل بالاغتصاب.
ويعد العنف ضد المرأة في النزاعات من أفظع صور العنف وأبشعها ، إذ تعاني من أوضاع نفسية واجتماعية خطيرة لا تحتمل ، بما تحمله من خصوصية منطلقة من مكانتها الاجتماعية وقيمة العرض والشرف النبيلة في مجتمع مثل المجتمع السوري المحافظ ، وهذه الخصوصية قد تجعل من مجرد اعتقالها سببا في تغيّر نظرة الأسرة والمجتمع لها مع أنها خرجت من أجل القضية نفسها التي يخرج الشاب فيها من المعتقل بطلا نبيلا .
ولإدراك النظام السوري لمدى تأثير اعتقال واختطاف المرأة واستخدام العنف الجسدي عليها وحساسيته في المجتمع السوري عمد إلى استخدامه من جهة وإلى إشاعة انتشاره ، محاولا وهن نفسية الثائر السوري ومنعه من الالتحاق بالثورة ، إضافة إلى محاولة عزل المرأة وإبعادها عن الثورة وهو يعلم مدركا مكانتها في المجتمع وهي الحرة والمربية والحاضنة للأسرة والثورة  ، فهل نجح النظام السوري من خلال تعامله الأمني العنيف مع المرأة بالتأثير على انضمامها للثورة السورية  ؟ وكيف كان تأثير إجرام النظام بحقها وترويجه له على نفسية المرأة ووضعها في المجتمع  ؟  وما هو رأي علماء الدين في انضمام المرأة للثورة في مثل الحالة السورية ؟
هذا ما سوف أتناوله من خلال هذا التحقيق الذي اعتمدت فيه على شهادة عدة ناشطات سوريات في داخل وخارج سوريا .
بين التحريم والتحليل الشرعي
لا ينكر أي متتبع للثورة السورية أن المساجد كانت من المحطات الرئيسية لانطلاقتها وأن العلماء والأئمة كانوا من المحركين الرئيسيين للثورة التي سرعان ما انضم إليها بقية أطياف ومكونات الشعب السوري ، حيث أن المجتمع السوري مجتمع متدين ولأئمته وفتاويهم كلمة مؤثرة بدليل اتساع رقعة الثورة في بقية المحافظات السورية التي أفتى علماؤها بمشروعية ووجوب التظاهر ضد نظام الأسد ، وتأخّر الثورة في المحافظات التي حرّم فيها أئمتها الانضمام للثورة ووقفوا إلى جانب النظام، وقد كان للحالة السورية فتاوى خاصة بسبب تعامل النظام الأمني الشرس معها وخاصة فيما يتعلّق بانضمام المرأة لها وخروجها في التظاهرات ضد النظام ، حيث يقول الدكتور محمد أيمن الجمال عضو رابطة العلماء السوريين أن المظاهرات في أصلها مشروعة -بل واجبة- إن كان لا يُمكن إيصال النصح لوليّ الأمر إلاّ من خلالها، أو إن لم يُمكن عزل الحاكم الذي استوجب العزل إلاّ بها، وهي بابٌ من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي ثبت وجوبه بآيات وأحاديث – لا يتّسع المقام لذكرها- أما انضمام المرأة لها فإن له حكمه لحساسية الوضع في سورية ، فالأصل جواز خروجها ؛ لأنّ واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتعلّق بالرجال والنساء على حد سواء ، مع الأخذ بالضوابط الشرعية المعروفة لاختلاط المرأة بالرجل ، مثل عدم اختلاطها بالرجال الأجانب، وعدم إظهار شيء من زينتها، وعدم خضوعها بالقول إن تكلّمت .
أمّا حالة كون المنطقة التي يتمّ التظاهر فيها يُسيطر عليها النظام الفاجر، أو يُحتمل أن يصل أزلامُه إلى المتظاهرين احتمالاً ظاهرًا ؛ فإنّ التظاهر في هذه الحالة مع زيادة احتمالِ أسرهنّ أو إيذائهنّ يصيرُ حكمُهُ مكروهًا، وينتقل الحكم إلى التحريم في حال تأكّد احتمالُ أسرهنّ ، دفعًا للأذى عن النفس؛ لقوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم)، وحفظًا لأعراضهنّ من تدنيس زبانية النظام الذين يهدفون إلى إيذاء المسلمين والمسلمات  في أعراضهم، و منعهنّ من التظاهر، وحجزهنّ عن المشاركة في شرف المشاركة في الجهاد بالنفس في هذه الثورة المباركة ، ومن إغاظة الكافرين عدم تحقيق مقاصدهم من فعلهم، وإغاظتهم واجبة ما لم يكن فيها احتمال ظاهر لانتهاك الأعراض .
وأكّد الدكتور أحمد سعيد حوى الأستاذ بالجامعات الأردنية على حرمة خروجهنّ في مثل الحالة السورية فقال : إذا كان يغلب على الظن أنهن سيتعرضن لإساءة من الأمن أو غيرهم ؛ فهذا مما لا ينبغي أن تعرض المرأة نفسها له؛ لأن القاعدة الفقهية تقول: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولا يعني هذا أننا نريد أن نمنع المرأة من المشاركة في خدمة الإسلام، فهناك أبواب كثيرة يمكن أن تشارك فيها، كما أن هناك حالات يجب عليها أن تشارك فيها كما إذا تعين الجهاد أي أصبح فرض عين.
ولا شك أن كثير من المدن المنتفضة يتأكد بها احتمال الإساءة بجميع أشكالها ولهذا كانت الفتوى بتحريم خروجها بكثير من المحافظات التي يغلب عليها التعامل الأمني العنيف مع المرأة ، ولعل فتاوى العلماء كان لها الدور الكبير في الحد من مشاركة المرأة وانضمامها إلى التظاهر حصرا ، أما فيما يتعلق بالجوانب الأخرى التي يمكن أن تساهم بها المرأة ، فالمشاركة فيها مستحبة ، وقد تصل إلى الوجوب كما يقول الدكتور عبد الناصر تعتاع عضو رابطة العلماء السوريين موضحا أنّ التاريخ الإسلامي  حافل بمساندة المرأة للرجل في سلمه وحربه ، ووقوفها بوجه الظالم بشتى الوسائل من تطبيب ، ومداواة ، وخياطة ، وعلى رأسهنّ نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، إلى جانب الكثير من الأسماء المعروفة مثل أم عمارة الأنصارية، والطبيبة رُفيدَةَ الأسلمية ، وغيرهن الكثير ، وجوانب مشاركة المرأة للرجل في الثورة الآن أكثر من أن تحصر ، مثل مُداواة الجرحى ونقل الطعام والشراب ، وخياطة الثياب ، ونشر الأخبار على صفحات الانترنت ، والكثير من الأعمال التي تخدم بها الثورة وتؤدي بها رسالتها ، وتأمن بها على نفسها.
ولم يكن خروج المرأة وانضمامها للثورة مرتبطا بفتوى العلماء فقط ، لأن دوافع إسقاط النظام كثيرة كما تقول إحدى النازحات من كرم الزيتون – رفضت ذكر اسمها -  فالشعب بكل أطيافه تأذّى من إرهاب النظام وفساده وأصبح إسقاط النظام دافعا دينيا ووطنيا وشخصيا إلى غير ذلك من الدوافع التي قد تجعل الفتاة لا تبالي بأي ثمن تدفعه مقابل نيلها لحريتها وكرامتها وهذا ما سبب امتداد الثورة  لتشمل كلّ أطياف ومكونات الشعب السوري ، دينيا وعرقيا وجغرافيا وطائفيا.
 تأثيرٌ اجتماعيٌ محدود  
لقد أدى اتساع رقعة الثورة، وازدياد الانشقاقات داخل الجيش وسيطرته على بعض المناطق ، الى إصابة النظام بحالة من الجنون والهستيريا ، جعلته يرتكب أعمالا إرهابية وحشية لا يتخيّلها إنسان بحق المدنيين الذين اعتاد على ترويعهم وإرهابهم وحكمهم بالقوة؛ إذ إن فقدانه السيطرة على منطقة ما تعني إضعاف ركن أساسي من أركان ثباته، وهو سيطرته الأمنيّة التي لم يستطع حكم البلاد إلا بها ، لذلك لم يبال بحجم وشكل المجازر سواء كانت ذبحا بالسكين أم قصفا بالمدافع ام اغتصابا للنساء ، ولأن للشرف والعرض قيمته المقدسة والعالية عند المجتمع السوري المحافظ ؛ عمد النظام إلى ابتزاز وتهديد الثوار بأعراضهم مدركا الأثر الاجتماعي السلبي الذي يحدثه انتهاك الأعراض ونشر أخبار الاغتصاب سواء على عائلات الضحايا أم على نفسيات الثوار والمجتمع الثائر .
وقد قدمت مجلة التايم الأمريكية تفاصيل حوادث لاغتصاب جماعي يقوم بها جنود النظام وشبيحته في محاولة لقمع الاحتجاجات عن طريق نشر فظاعات ما يفعله الجنود النظاميون ، و تابعت الصحيفة: إنها لا تندهش من عدم فضح هذه الجرائم  بشكل علني من قبل ضحاياهم لأن الاعتداءات الجنسية تعد من الموضوعات الصعب إثارتها فى أى مجتمع خاصة فى المجتمعات العربية القروية مثل تلك الموجودة فى بعض المناطق السورية  .
وقد تعددت جرائم النظام المتبعة والممنهجة ضد المرأة ابتداء من الاعتقال التعسفي إلى الخطف والتعذيب العنيف وانتهاء بالاغتصاب لكن ذلك لم يثنها عن الالتحاق بالثورة ؛ بدليل اتساع رقعة المظاهرات السورية برجالها ونسائها ، والمشاهد المتكررة للمظاهرات النسائية التي نشاهدها على الانترنت ، وقد كان هناك تباينا لمدى تأثير العنف على المرأة على الثورة السورية هل هو إيجابي أم سلبي ؛ فإلى جانب التأثير السلبي الذي سبب عزوفا لبعض المجتمعات النسائية ، وتأخرا لبعض المحافظات عن الالتحاق بالثورة كان هناك تأثيرا إيجابيا منشؤه السخط على النظام والتضحية بأي ثمن لإسقاطه .
(ريمة عبد الرحمن ) خريجة كلية العلوم الاجتماعية في جامعة حلب ترى أن بطش النظام وتجارب الشعب السابقة معه في تعامله العنيف مع الجنسين ومع المرأة تحديدا أثناء الاضطرابات وخاصة في الثمانينيات ، كان لها دور كبير في تأخير انضمام حلب ودمشق وبعض المدن السورية للثورة ؛ وذلك لإدراك الشعب السوري لمدى عنفه ، وعدم وجود أي قوة أو رادع خلقي أو ديني يمنعه عن البطش بمعارضيه ، متجاوزا كل الأعراف والقوانين الداخلية والدولية التي تحرّم استخدام العنف ضد المدنيين خاصة النساء لمعرفته حساسية التعرّض للمرأة وتأثيرها على الرجل بالمجتمع ، ومقدار معاناتها وتأثرها داخل المجتمع السوري.
ولعلّ أخطر ما ذهب إليه النظام في استهدافه للمرأة هو ما أشارت إليه ( منى ، ب ) وهي إحدى ضحايا جرائم الاعتداء على المدنيات في أحد أحياء حمص ، حيث قالت أن النظام نجح إلى حد كبير في التأثير على المرأة في مدن رئيسية في الثورة مثل حمص ، وذلك في زرعه للفتنة الطائفية في المناطق المحاذية للطائفة العلوية والتي جيّش من خلالها ميليشيات “شبيحة” تذبح وتختطف وتغتصب الحرائر بطريقة وحشية همجية ، أمام مرأى أهلها ومجتمعها في سعيه إلى إذلال المدن المنتفضة وكسر شوكتها ، وقد سببت هذه الفتنة وتلك الجرائم هجرة شبه جماعية في كثير من الأحياء والقرى ، مضيفة أنّ الهجرة والنزوح يحدّان ويضعفان من عطاء المرأة في الثورة ويمنعانها من الاستمرار في التظاهر .
وتضيف ( منى ) أن النظام استهدف النساء لأنهن تعدّ أهدافا سهلة المنال وكبيرة التأثير على استمرار الحراك بالثورة ، ولمعرفة الشعب طبيعة تعامل النظام عمد  قسم كبير من المدنيين إلى الهجرة بعيدا عن بيوتهم حفاظا على نسائهم وأولادهم ، وهذا ما يفسره أنّ أغلبية النازحين السوريين من النساء والأطفال ، وهو جانب مؤثر جدا في استمرار الأسرة والمرأة بالثورة .
إرادةٌ فولاذيةٌ تقهر بطش النظام
تقول الناشطة ( هدى محمد ) من درعا ان تعامل النظام الارهابي كان له دور ايجابي في انتشار الثورة لأن العنف على المرأة شجع كثيرا من الرجال للانخراط فيها لنيل الحرية والكرامة لكل أطياف الشعب ، وانخراط الرجل يعني انضمام بقية عائلته ، وهو الأمر الذي انقلب عكسيا على النظام ،بل إن جرائم النظام قوّت الوشائج الاجتماعية وترابط المجتمع وأرجعت المجتمع إلى معدنه الأصيل المتكافل والأخلاقي لذلك ظهرت المرأة السورية على حقيقتها التي تتميز بالشجاعة والمروءة وامتلاكها القدرة على البقاء والصمود والقيام بدور الثائرة والمناضلة وربّة الأسرة التي تدعم الثورة بالمجتمع إلى جانب رعايتها لأسرتها .
وتفرق ( ريمة )  في مدى تأثير العنف على المرأة بين المرأة الضحية وغيرها في المجتمع فترى بأن الاعتداء يؤثر بالدرجة الأولى على الفتاة الضحية بالثورة ويقل التأثير كلما اتسعت الدائرة الاجتماعية حولها ، لأن هذه الحادثة تعنيها بالدرجة الأولى بما قد تحمله من تأثير على مستقبلها ومكانتها داخل الاسرة والمجتمع ، وبالتالي فإن تأثير” أخبار الاغتصاب ” على الثورة يقل كلما ابتعدنا عن مجتمع الضحية خاصة أن حساسية هذا الموضوع الشديدة تمنع نشره إلا ضمن نطاق محدود جدا داخل الأسرة والمجتمع .
حساسية نشر أخبار العنف ضد المرأة أكّدته السيدة ( اقبال ابراهيم )إحدى الناشطات في رابطة المرأة السورية التي تعنى بإغاثة اللاجئين السوريين في الأردن التي قالت أنه من النادر جدا أن تفصح الأسر حتى عن مجرد اعتقال إحدى حرائرها وهو ما يعني انحسار تأثير أخبار التعامل العنيف مع المرأة على الثورة وانضمام المرأة لها.
وأضافت أن هناك عدة عوامل داخلية في الأسرة تؤثر على انضمام المرأة للثورة ، فكلما ازدادت ثقافتها ، وتربيتها ، وعمرها إلى جانب شخصيتها القوية كان تأثير أخبار العنف الجسدي أقل ، وهذا ما لمسته من خلال زياراتها الميدانية إلى أسر اللاجئين قائلة أنه كلما ابتعدت الأسرة عن التربية والتعليم كانت أقرب إلى تصديق شائعات النظام وإرهابه بدليل الانتشار الواسع للأمية بين المهاجرين .
ويؤثر التعامل المجتمعي مع ضحايا الاغتصاب سلبا أو إيجابا على الضحية والمجتمع تأثيرا طرديا بحسب طبيعة التعامل ؛ لأن التعامل الإيجابي معهن له دور كبير في استمرارهن بالثورة وبالتالي استمرار المجتمع وعدم تأثره بتلك ، وتؤكد  (سمية ، م ) وهي إحدى الفتيات اللاجئات في مخيم تابع للاجئين السوريين في تركيا ، وشقيقة إحدى اللواتي تعرضن للاغتصاب أن الضحايا بحاجة لاحترامهن والتعامل معهن على أساس من الثقة ومنحهن الشعور بالاطمئنان، وأنهن أكثر شرفا وشجاعة من كثيرات غيرهن ، مبدية الأثر الايجابي لهذا التعامل والدور المهم لعلماء الدين والإعلام في التأثير على الرأي العام وتوجيهه للتعاطي الأمثل مع هؤلاء الضحايا،لإنه ينعكس سلبا وإيجابا على الثورة وانضمام المرأة لها .
وأضافت ( سمية ، م ) أن لكل من الرجل والمرأة دورٌ في الثورة ، وأنّ مشاركة المرأة في الثورة لم تقتصر على انضمامها للتظاهر ؛ لأنّ المرأة كانت للثوار الأم والمربية والطبيبة والممرضة ، وغطّت جوانب مهمة جدا ساهمت في ثبات الرجل وبالتالي صموده أمام كيد النظام وبطشه ، ومشاركتها ” الناعمة ” ساهمت في امتداد الثورة  تحميها من بطش شبيحة النظام وتبعدها عن عيون ” العواينية ” الذين يرصدون تحرّكات الثوار ، وتكون بذلك أكثر قدرة على العطاء بما يتناسب مع بنيتها وتربيتها وواقعها الديني والاجتماعي .
 وقالت ( ريمة) أن تعامل النظام العنيف مع المراة إلى جانب اشتراكها في المعاناة اليومية مع الرجل في مواجهة النظام أجبر النساء على الاضطلاع بأدوار غير مألوفة تقتضي منهن تعزيز ما لديهن من مهارات للتغلب على الصعاب واكتساب مهارات جديدة تمكنها من مواصلة طريقها في رعاية أسرتها من جهة ثم الاستمرار في الثورة حتى إسقاط النظام لنيل حريتها وكرامتها .
وتشير الاجتماعية (ريمة ) إلى أنه من بين التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للعنف على المرأة في الثورة الآثار الصحية حيث تتفاقم المشكلات الصحية أثناء المعارك واقتحام المدن ، وتكون الأوضاع الصحية بالمناطق المنتفضة غالباً في أوضاع صعبة حتى قبل نشوب الاشتباكات وغالباً ما تكون النساء أكثرعرضة للإصابة بالأمراض وخاصة المرضعات والحوامل لأن المرأة أضعف بنية وأقلّ قدرة على تحمل أعباء ومشاق الثورة وهو ما يؤثر على خروجها للتظاهر وانضمامها للثورة .
نبلُ المقصد يخفّف وطأ المصيبة
تكمن خطورة الآثار النفسية التي أفرزها التعامل الهمجي اللاإنساني مع المرأة في الثورة من اعتقال واختطاف وتعذيب عنيف بما ينتج عنه أحيانا من اضطرابات نفسية للمرأة ، وفقدان المقومات الأساسية لعيشها في مجتمعها، في ظروف تضمن لها التوافق النفسي، ومستوى الصحة النفسية المطلوب، وذلك بسبب التهديد، أو القتل، وفقدان معالم الحياة الاجتماعية ؛ التي يتشبث بها الإنسان لتجديد ذاته، وتحديث هويته ، وقد ادرك النظام السوري أهمية قيمة الشرف والعفة عند المجتمع السوري المحافظ فعمد إلى اعتقال واختطاف الحرائر وارتكاب بعض جرائم الاغتصاب من جهة وإلى شن حملة إعلامية ممنهجة بالدعاية والإشاعة بقصد تخويف الشعب وإظهار عجزه عن تحقيق مراده إلى جانب بث اليأس وإشاعة الذعر بين أفراده  ، لأن العنف الجسدي على المرأة ، وخاصة في المجتمعات المحافظة مثل المجتمع السوري يترك أثرا كبيرا وسيئا في نفس المرأة ، لما يسببه من اضطرابات نفسية قد تصيبها .
  لكن الدافع النبيل الذي خرجت الثورة من أجله كان له أثر فعال في التخفيف من أثر هذه الاضطرابات والتوترات النفسية التي تعقبها ، وتحدثت  (منى ، ب ) إحدى ضحايا الاغتصاب عن تغير حالتها النفسية بعد علاج نفسي تلقته من اخصائية أعادت لها الثقة في نفسها ، ذاكرة أن تضحيتها وشجاعتها تاج عز على رأس كل الشرفاء السوريين في الدنيا وأن منزلتها عند الله كبيرة بقدر تضحيتها ، وتضيف أنها خرجت – بعد العلاج – أكثر صلابة وقوة وتصميما على إسقاط النظام ومحاسبة مجرميه ، لأنّ محاسبة الجاني من المرتكزات الأساسية التي ينطلق منها العلاج النفسي ؛ ﻓﻌﻠﻰ اﻷﻗل ﺗﺳﺗطﯾﻊ اﻟﺿﺣﯾﺔ -  بحسب منى –  أن تخاطب نفسها بأن المجرم سيدفع وﻟو ﺟزءً ﺻﻐﯾرا ﻣن اﻷﻟم اﻟذي ﺷﻌرت به وينال عقابه الذي يستحقه .
وأبدت إحدى الأخصائيات النفسيات اللواتي تبرعن بمعالجة ضحايا الاغتصاب رافضة ذكر اسمها أهمية تأهيل المغتصبة نفسيا واجتماعيا وفائدته في مساعدتها وتمكينها من استعادة تكيفها من جديد الى أن تحقق التكيف السويّ مع ذاتها وأسرتها ومجتمعها لأن هذه الجريمة تترك إلى جانب الأبعاد النفسية آثارا ونتائج سلبية على كافة المجالات الأخلاقية والتربوية والاجتماعية في البلد لأن الآثارالنفسية والاجتماعية متداخلة ، فالأثر النفسي مثلا قد يزداد سوء على الفتاة الضحية كلما انتشر خبرها أكثر ، فقد ذكرت ( سمر ، م ) عن أحوال نفسية سيئة للغاية لفتيات ريفيات تعرضن لما تعرضت له أختها ولم يتلقين علاجا نفسيا ، لأن الأثر النفسي يكون مضاعفا بسبب التداخلات الاجتماعية الكبيرة وسرعة انتشار الأخبار في هذه المجتمعات ، وهذا الأمر سبب مشكلة مضاعفة عند بعض اللواتي تعرّضن للاغتصاب ولم يتواصلن مع اخصائية نفسية خشية انتشار خبرهنّ ، لذلك يجب مراعاة عدم نشر الخبر بمقدار سعينا للتأهيل النفسي للفتاة الضحية .
وقد أكّدت الأخصائية النفسية  ما ذكرته ( سمر ، م ) فقالت إنها تعاملت مع  ضحايا جرائم اغتصاب ، وأن ثلاثا فقط من تلك الحالات حصلن على علاج نفسي في حين لا تزال أكثر من خمس عشرة حالة تواصلت معها لم تتلق أي مساعدة غالبيتهن يعرف المحيطون وضعهن، لأن الحوادث تتم في بيت العائلة وضمن مجتمع ريفي، الأمر الذي يزيد الحالة النفسية للضحية سوء ، ونشرت الناشطة مروة الغميان على صفحتها على الفيسبوك أن بعض الأطباء النفسيين تبرعوا لتقديم الدعم للضحايا، لكنهم واجهوا صعوبات في إقناع الأهل في مناطق مثل إدلب، حيث كانت بعض الأمهات تضطر أحيانا لعرض الأطفال المغتصبين على الطبيب دون علم الآباء ، مع الفرق بين تأثيره على الأطفال مقارنة بالفتيات  .
وتقول ( هدى محمد) من درعا : إن نشر أخبار الاغتصاب نجح إلى حد ما في التأثير على بعض الأسر السورية وخاصة تلك التي هاجرت داخل سوريا أو خارجها بدليل أن كثير من العائلات أخرجت نساءها وعاد رجالها لسورية  بعد تأمينهم على أعراضهم ، ذاكرة قصة الناشط هادي العبد الله الذي صرّح للإعلام أنه لم يظهر على شاشة التلفاز في صورته إلا بعد إخراج أهله خارج سورية ، وتضيف قائلة ان الخوف على النساء أحد أهم أسباب هجرة السوريين .
وأضافت أن الاغتصابات لم تشمل كل المحافظات وهو ما خفف الوطأة النفسية على حرائر محافظتها ويسّر خروجهنّ للتظاهر ، مضيفة أن هناك محافظات مثل درعا ودير الزور والمناطق البعيدة عن التجمعات المؤيدة للنظام لا يستطيع النظام بأي حال الاقتراب من حرائرها ، لأن قضية الشرف في المجتمعات القبلية والريفية من الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها بحال ، وهو أمر ابتعد عنه النظام في الغالب لعلمه بتداعياته السلبية عليه . وأشارت إلى أن أساس انطلاقة الثورة وتفجرها كان من إيذاء بسيط لإحدى حرائر درعا .
ويقول عبد الرزاق فاضل وهو أحد الناشطين في حمص وأيّده على هذا كثير من الشبان أن الجيل الثائر الآن أصبح أكثر وعيا ونضوجا من جيل ما قبل الثورة ، مدركا لمآرب النظام وغاياته ، فتفهموا وضع الفتاة الضحيّة وتضحيتها واعتبروا اغتصابها بمثابة أي نوع من الانتهاكات والأذى وتقدم العديد للزواج من فتيات تعرضن للاغتصاب ، او تعرّضن للاعتقال ، ورواج أخبار الزواج من معتقلات سابقات أو مغتصبات كان له أثر ايجابي كبير في رسم صورة ذهنية عن تضحية المرأة وبالتالي مواصلة انخراطها بالثورة .
وتشير الاجتماعية ( ريمة ابراهيم ) إلى اتساع نطاق الثورة وامتدادها افقيا وعموديا برغم أخبار العنف على الطرفين ذكورا وإناثا لتستدل به على عدم التأثير الكبير لأخبارالاغتصاب على الحرائر قائلة أن الشعب السوري أصبح حرا وكسر عقدة الخوف ، فملك زمام أموره ، وحدّد مراده بطلب الحرية مهما كان الثمن ، وأصبح يمتلك من الإرادة والتصميم ما يواجه به العالم بأسره ليخرج منتصرا، محققا طموحاته وآماله باستقلاله التام والحقيقي وتحقيق حريته وكرامته ، لأن التراجع يعني قتل هذا الشعب وموت ثورته وضياع حقوقه .
وأكدت على هذه الإرادة الكاتبة السورية الكردية المعارضة روشن قاسم التي قالت في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط إن حالة الطوارئ المفروضة منذ عقود والقوانين العرفية والإبادة الثقافية والاعتقال التعسفي، طالت الكثير من النساء السوريات ومنهن الكرديات، والكثيرات منهن تعرضن إلى التعذيب والقتل في السجون السورية ، مشيرة إلى أننا مقبلون على مرحلة مفصلية، لا يمكن التراجع عنها بحال ، وعلينا المضي والسير لأن الرجوع يعني الموت…. موت سورية .
عبد الرحمن الشردوب باحث في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية