الاثنين، 23 يوليو 2012

الثورة السورية و مدعي التدين


أثار استيائي موقف بعض المتدينين من الثورة السورية، فقد تلقيت إيميل من صديق تحت عنوان من "أجل فلسطين"  يحثني فيه بشدة للتصويت في استفتاء في غوغل إرث لاسم فلسطين، هل تسمى فلسطين أم إسرائيل؟
 
وصلني هذا الايميل من صديق سوري مقيم في أمريكا، تعرفت عليه في المدرسة الثانوية منذ أكثر من ثلاثين سنة، ثم درسنا الطب في جامعة دمشق ثم سافرنا الى أمريكا وربطتنا علاقة قريبة لسنين طويلة، ثم افترقنا بسبب العمل و لم أره منذ 15 سنة، و لم نتواصل كثيراً بعدها.
و يبدو أنه تعرف أكثر على الدين خلال السنين الاخيرة حيث صار له منذ  8 أشهر و هو يرسل لي إيميل مرة في الشهر عن فضل الصلاة على النبي و الذكر و أشياء من هذ القبيل، و أنا و ان كنت استمتع باللطائف و الرقائق و الروحانيات سواء كانت من الاسلام او المسيحية او البوذية، و لكن ليس هذا مناسباً في الوقت الذي تنتهك فيه الحرمات و يقتل فيه البشر و يسحلون في الشوارع في بلده سوريا، و هو لا يذكر ولا كلمة واحدة للتعاطف مع شعبه الذي يذبح أو حتى كلمة و لو مبهمة استنكاراً لجرائم النظام.

ارسلت له في السابق بعض الايميلات بما يتعلق فيما يحدث في سوريا منذ بدء الثورة،  و لكن لم يحصل أي تجاوب أو تعاطف منه مع أي منها، بل و لا أي رد على الاطلاق الا أحاديث الأدعية و الاذكار، فتوقفت عن مراسلته بما لا يبدو أنه يحب سماعه.

و صبرت فترة طويلة على ايميلاته التي ترتدي رداء الدين الظاهري من دون جوهر، و لكن نفذ صبري منذ أيام عندما أرسل ايميل لي و لمئة صديق آخر يحثنا فيه بشدة على دخول رابط للتصويت في غوغل  إرث على اختيار اسم لفلسطين المحتلة هل نختار اسم فلسطين أو إسرائيل. 

و أنا لست خبيراً في الدين و لكني قرأت كتاباً أو إثنين في الموضوع... و على الطريقة الامريكية فانه اذا قرأ أحدهم كتاباً عن الشرق الاوسط ثم زار مصر ليومين لم يغادر فيهما الفندق يعود الى أمريكا و يسمي نفسه خبير في شؤون الشرق الاوسط. و لكني حاولت ان ارد عليه من نفس النصوص الدينية التي كان ينبغي عليه أن يعلمها بسبب تدينه.
و يبدو  لي أن هذا هو حال ما يسمى بالأغلبية الصامتة في دمشق و حلب و غيرها ، حيث يعتمدون على هذه الطريقة من التفكير ليبرروا لأنفسهم عدم مشاركتهم في الثورة و التملص من المسؤولية الأخلاقية و الدينية التي توجب عليهم دعمها بكل قوة.
و بعد استلام هذا الايميل منه عندها بلغ السيل الزبى و استشطت غضباً، و وجدت نفسي أكتب هذ الكلمات. فقلت له ما يلي: 

صديقي العزيز:

طبعاً أنا دخلت الرابط الذي أرسلته لي لأقوم  بواجبي القومي بالتصويت و لكن أقول:
مهما كان الاسم الذي سوف تسمي به غوغل فلسطين فهذا لن يغير حقيقة أن فلسطين العربية سوف تبقى عربية  مهما سمتها هذه الخارطة أو تلك من سايكس بيكو الى غوغل....

و لكن بالنسبة لكل القومجيين السوريين الغيورين على اسم فلسطين هناك أولوية أخرى لهم تتجاوز المسميات و تأتي قبل صرف الجهود في هذا المجال و هي حقيقة الجرائم الوحشية التي ترتكب يومياً في بلدهم سوريا التي تربوا فيها و أتوا منها. هذه الجرائم ترتكب على الواقع و تحصد الأرواح و ليست على مستوى تغيير الاسماء فقط.

يرفض الناس الاحتلال عادة لأنه قد يقوم المحتل بقتلهم أو سرقة أموالهم أو إذلالهم و إهانة كرامتهم أو الاعتداء على مقدساتهم أو قمع حرياتهم أو إعتقالهم أو تهجيرهم من بلدهم....
و لكن أليس هذا تماماً ما تفعله كله و زيادة هذه العصابة الأسدية التي قامت بالسطو المسلح على سوريا منذ أربعين سنة...

ياصديقي: قبل أن نذرف الدموع على البلاد المجاورة فلنذرف الدموع على بلدنا سوريا.
في سوريا محتل ينتقم من حنجرة مغني اسمه ابراهيم قاشوش و من أصابع رسام كاريكتور اسمه علي فرزات و من أبوين مسنين لموسيقي عالمي اسمه مالك جندلي و من جسد طفل اسمه حمزة الخطيب و يقطع أوصال النساء و يسلخ جلود البشر في المعتقلات و يفعل هذا في عشرات الآلاف من أمثالهم الذين لم نبالي بمعرفة أسمائهم.
هذا المحتل قد قتل الآلاف من السوريين  منذ أذار 2011، و اعتقل عشرات الآلاف...
و قصف المساجد و المآذن و ضرب المصلين و الشيوخ و الاحرار...
و حاصر المدن السورية و قصفها من البر و البحر و الجو...
و قطع عن المدن الماء و الكهرباء و الغذاء...
هل فعل أي احتلال سابق في تاريخ سوريا ما فعلته عصابة الاسد...؟؟؟
و هل تعلم أن هذا المحتل نفسه في مدينة حماة سنة 1982 قتل أربعين ألف من المدنيين العزل و الاطفال و النساء، و هدم نصف المدينة و هدم  في حماة أقدم مسجد و أقدم كنيسة في سوريا...
هل يبالِ أحد بهذا؟ أم أن هذا لا يخصه....
و هذا المحتل قد سرق البلايين من عرق الشعب السوري لجيوب العائلة الحاكمة و حساباتها في البنوك... و حول سوريا البلد العريق في الفن و الحضارة الى أكثر البلدان تخلفاً في العالم...
و شرد نخبة عقول سوريا و مفكيرها في كل بقاع العالم لأنه لا يريد لأحد أن يفكر و لا أن يعيش في بلده بحرية....
و هذا المحتل أبدى استعداده أن يحرق كل سوريا حتى يبقى هو...
هل قتلت اسرائيل هذا العدد من المدنيين السوريين و هل ارتكبت مثل هذه الجرائم؟
لمَ لا تستنكر هذه الجرائم؟ حتى الشياه تستنكر الذبح ....

و الى الذين يدّعون الدين و التدين و يتناقلون أحاديث فضائل الذكر في هذا الوقت، أريد أن اذكرهم ببعض مبادئ الدين الذي يدعون الانتساب اليه:
قال الرسول: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم...".
و قال الرسول: "و الله لا يؤمن، و الله لا يؤمن، و الله لا يؤمن... من بات شبعان و جاره جائع و هو يعلم".
فإذا كان لا يؤمن من علم أن هناك جائعاً و لم يطعمه، فمن الأولى أنه لا يؤمن من علم بان ابن بلده يتعرض للقتل و سلخ الجلد في السجون و هدم المنازل و الاعتقال و التعذيب و الاغتصاب و انتهاك الحرمات و لا يفعل ما بوسعه لرفع الظلم عنه، و التي هي أسوأ من الجوع بمليون مرة، و أقسى من الموت نفسه...
ياصديقي إن من لا يستنكر الجريمة يصبح شريكاً فيها...
و مهما حاول البعض تبرير صمتهم و عدم مبالاتهم ليقنعوا أنفسهم بمبررات عدم مبالاتهم فهو لا يقنع أحد...
لقد قام بعض الادعياء  من الضالين ممن يسمون أنفسهم برجال الدين، قاموا بغسل أدمغة بعض الناس و أقنعوا من هو مستعد لأن يقتنع و سلم عقله و تفكيره لهم بأن الدين هو مجرد ذكر الله و الصلاة على النبي و الصلاة و الصيام و غيره من الطقوس و التدجيل على البشر وأن  من يمارس هذه الطقوس يصبح انساناً صالحاً و الباب مفتوح له الى الجنة...
و لم يخبروهم بان السكوت عن هذه الجرائم يتعارض مع جوهر الايمان، لا بل يتعارض مع إنسانية الانسان مهما كان دينه أو لا دينه...
يقول الرسول: "بان هناك إمرأة كانت تصلي و تصوم و لكنها دخلت النار لانها لم تطعم قطة، و أن امرأة أخرى كانت عاصية و لكنها سقت الماء لكلب عطشان فأنقذت حياته فدخلت الجنة...".
فما بالك بمن لايبالي بمقتل الانسان من ابن بلده ظلماً و لا يحاول انقاذ حياة انسان يقتل ظلماً...؟

لقد أعلن النظام المجرم الحرب على الشعب السوري و على أرواحه و على مقدساته...
فاقتحمت الدبابات و الشبيحة المارقون المدن الآمنة  و عاثت فساداً و قتلاً و سحلاً و ارهاباً...
و أجبر الناس أن يقولوا لا إله الا بشار و أن يسجدوا لصورة شخص...
و اقتحم المساجد و ضرب المصلين فيها و منع الصلاة.... 
و أذكر مدعين الدين  بأن الرسول قد قال: إن من كبائر الذنوب التي لا يغفرها الله ،الإشراك بالله و الفرار يوم الزحف ( الفرار من المعركة). 
و الذي لا يدعم ثورة  الحرية في سوريا و يفر منها هو فرار يوم الزحف، و هذ الذنب لا تنفع معه صلاة و لا صيام و لا حج و لا عبادة... مهما أفتى البوطي و المفتي الارهابي حسون و غيره من الشيوخ الدجالين...


"إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار...".
و كما قال الرسول: "كم من صائم ليس له من صيامه الا الجوع و العطش، و كم من قائم يصلي ليس له من صلاته الا التعب....".

يعني حتى المرأة العاصية عندما وجدت كلباً عطشاناً سقته ماءً و لم تكتفي بذكر الله ، و الذي لا ينقذ كلباً عطشاً من الموت هو أقل مكانة من العاهرة، فمابالك بمن لا يحاول انقاذ أخيه الانسان؟
 
بدل أن تذرفوا الدموع على ما هو اسم فلسطين  في غوغل انظروا و افتحوا أعينكم للجرائم التي تحصل يومياً في بلدكم و التي لم تفعلها اسرائيل...

منقول بتصرف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق