الثلاثاء، 24 يوليو 2012

هل نشهد تخلي روسيا عن النظام السوري


هل نشهد تخلي روسيا عن النظام السوري
من خلال متابعة المواقف الروسية في السنوات الأخيرة , ومن خلال أداء النظام العالمي الجديد والتغيرات الحاصلة فيه , نرى سعي الروس في ظل نظام عالمي متعدد الأقطاب ليكونوا أحد أركانه , وبالتالي فقد إتخذ الروس مواقف المعارضة للتوجهات الغربية والأمريكية تجاه معظم القضايا العالمية , ليثبتوا أنهم أحد الأقطاب المؤثرين والفاعلين في تحديد سياسة العالم والدول فيه وخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي كانت ترتبط به بعلاقات قوية وإستراتيجية أيام الإتحاد الروسي السابق , والحرب الباردة , وحروب السيادة على العالم , ولقد ورثت روسيا الحالية الكثير من هذه العلاقات والتحالفات , مع ملاحظة أن هذا الموروث قد إضمحل شيئا فشيئا  مع التراجع الروسي الإقتصادي والسياسي .
     الروس الآن يلعبون لعبة القط والفأر مع الغرب والأمريكان , الأمريكان يراوغون في كل موقف ويمسكون بأوراق لترويض روسيا والحصول على مايريدون لتحقيق أطماعهم , والروس يعاندون حتى النفس الأخير للحصول على مايستطيعون من مكاسب , والوقود لكل هذا الشد والجذب بين العمالقة هو شعوب فقيرة مسحوقة , سيطر عليها الإستبداد وعشعش فيها الفساد وتحكم في مصيرها عملاء للشرق أو الغرب .
     من خلال التاريخ المعاصر سنطلع قليلا على أداء روسيا تجاه دول المنطقة العربية في ظل الصراع بين روسيا من جهة والإتحاد الأوربي وأمريكا من جهة أخرى .
     تم تزحزح الموقف الروسي تجاه سوريا , فبعد المعارضة الكاملة والشديدة لصدور أي قرار من مجلس الأمن يدين النظام السوري , وإستخدام حق النقض ضد المشروع الأوربي , وبعد يوم واحد فقط من حصول روسيا على عضوية منظمة التجارة العالمية , تقدمت روسيا نفسها المعارضة بمشروع قرار إلى مجلس الأمن يدين طرفي الصراع في سوريا وكان ذلك بتاريخ 16/كانون الأول 2011 وهذا الموقف تم بعد عناد ووقوف روسيا في وجه العالم كله إلا دويلات قليلة, وهذا هو المنطق الروسي .
     نلاحظ من تصرف روسيا هذا أنها حصلت من هذا الموقف على طموح تسعى له منذ تمانية عشر عاما , وإستغلت موضوع سوريا لتحقق هذا المكسب الإقتصادي الذي يسمح لها أن تكون الدولة الأولى بالرعاية مع كل الدول أعضاء المنظمة البالغ عددهم 153 دولة لتزيد صادراتها وتدور المصانع الروسية ويرتفع ناتجها المحلي 11% من 1.2 تريليون دولار إلى 1.332 تريليون دولار .
     هل يصل هذا الفهم إلى رجالات الثورة السورية الأحرار ليتمكنوا من تحويل الإتجاه الروسي ليكون حياديا كحد أدنى ... هذا الكلام لاأطلقه هنا جزافا , إنما أبنيه على أحداث حصلت قريبا في العراق وليبيا , وسوف أستعرض ذلك بإيجاز :
     في الحالة العراقية , كلنا يتذكر المعارضة الشرسة التي أبداها الروس من إستخدام القوة ضد العراق مطلع التسعينيات , أو الوقوف مع التحالف الغربي عام 2003 ثم تبدل الموقف الروسي بعد حصوله على هبات ضخمة دعما لإقتصاده أعلن فقط عن 17 مليار دولار من إحدى دول الخليج العربي وما خفي كان أكثر , وكذلك تم التغاضي عن ممارسات روسيا اللاإنسانية وعدم إحترامه لحقوق الإنسان في الشيشان ودول القوقاز , وتم إطلاق يده في جورجيا وأوربا الشرقية والحصول على ضمانات لمصالحه في العراق بعد الغزو , رأينا وببساطة تبدل الموقف الروسي من العراق وسحب البعثة الروسية من بغداد عام 2003 وغض الطرف عن إحتلال العراق, وبعد دخول قوات التحالف بغداد لم ير الروس أي غضاضة أن يكونوا متواجدين في بغداد ورعاية مصالحهم الإقتصادية هناك .
     في الحالة الليبية عام 2011 نفس السيناريو الجاري الآن في سوريا ونفس المواقف اتخذت, الإدعاء ووصف الوضع في ليبيا أنه حرب أهلية , وعدم الإعتراف بالمجلس الليبي الإنتقالي , لكنها ومن خلال إستشرافها للنتائج كانت أعقل من أن تفرض حق النقض ضد القرارين 1970 , 1973 لمجلس الأمن الداعيين لفرض عقوبات إقتصادية والحظر الجوي وحماية المدنيين , ثم أعلنت بكل بساطة أن القذافي فقد الشرعية في الحكم , ومن ثم تم الإعتراف بالمجلس الوطني الليبي ... ولم يتم ذلك مجانا ... فليبيا دولة نفطية , وشعر الروس أن التحالف الغربي قد قبل بكسر العظم ,وسوف يتجاوزون الروس في كل مواقفهم ... فالبترول هو شريان الحياة للغرب , ومن أجله هم مستعدون أن يخوضوا حروبا كونية , وبعد مفاوضات طويلة ومريرة بين الغرب وروسيا فهمت ... إما أن تقبل بنصيب معروض من الكعكة الليبية أو سيتم تجاوزها , وتخرج من المولد بدون حمص كما يقولون , والدب الروسي نهم جائع باستمرار , فقبلوا ...
     الموقف من النظام في سوريا الآن , يمكن شرحه بإيجاز ... الروس لهم استثمارات إقتصادية في سوريا تقدر بحوالي 19 مليار دولار حتى عام 2009 معظمها في مجال الطاقة ومؤخرا تم الإستثمار في مجال السياحة, وحسب إحصاءات عام 2010 بلغت الصادرات الروسية إلى سوريا نحو 2.1 مليار دولار بما يعادل 13% من إجمالي الواردات السورية عام 2010 التي بلغت 16.9 مليار دولار والأسلحة الروسية أهم هذه الواردات, وإذا نظرنا إلى التبادل بين روسيا والإتحاد الأوربي نجد أنه عام 2001 وخلال ستة أشهر فقط بلغت المبادلات التجارية بينهما أكثر من 225 مليار دولار وهذا يؤشر إلى مخاطر المغامرة التي تقوم بها روسيا في الوضع السوري .
     هذه المغامرة الروسية تأتي للحفاظ على عدة مصالح في سوريا منها :
     أولا لهم قاعدة عسكرية ضخمة تضمن وجودهم في المياه الدافئة وإطلالهم على العالم , وحصولهم على موطيء قدم في موازيين القوى العالمية ... وهذا السبب لم يعد مجديا الآن في ظل النظام العالمي الجديد , والربيع العربي الذي أدى وسيؤدي في قابل الأيام إلى تغيير كبير في التحالفات وأنظمة الحكم القائمة , وربما إضمحلال دول ونشوء دول أخرى .
     ثانيا المصالح الإقتصادية ... في التسعينيات إضطرت روسيا إلى تصفية ملف ديونها المستحقة على سوريا المقدرة ب 13 مليار دولار ألغت 75% منها والنسبة الباقية لإقامة مشاريع روسية في داخل سوريا, ومن خلال إستقرائنا للموقف من العراق وليبيا والتدرج في إتخاذ القرارات من قبل الروس بسبب التوقعات لمدى صمود النظامين أمام الضغوط الدولية وقرارات الحصار والعقوبات المفروضة عليهما , فكلما بدت علائم الضعف أمام الضغوط تراجع الموقف الروسي , حتى يصل إلى درجة يضطر فيها إلى تغليب مصالحه والقبول بالعرض المعروض عليه .
     لعل هذا السيناريو هو الذي تبني روسيا موقفها بموجبه في الحالة السورية , فروسيا تعارض فرض العقوبات والحصار على النظام السوري , لكنها تعاني في الوقت نفسه من شلل العلاقات الإقتصادية السورية مع الخارج لإحتمالات عجز سوريا المتزايد عن الوفاء بإلتزاماتها المالية وكذلك عجزها عن تأمين التسهيلات الإعتمادية وإمتناع معظم المؤسسات المالية العالمية عن التعامل مع النظام السوري وأجهزته , وهذه المغامرة الروسية بدعم النظام السوري لن تستمر روسيا في خوضها طويلا في ظل ظروفها الإقتصادية الحالية , وحالتها السياسية الداخلية , وركود الصادرات الروسية ,والإحراج في ظل المذابح المستمرة في سوريا من قبل النظام .
     نتيجة لذلك نرى أن الخطاب الروسي قد تغير وهو في تغير مستمر فالرئيس الروسي طلب من النظام إصلاحات جذرية حقيقية عميقة والمشاركة في الحكم أو الرحيل , كما أن روسيا وافقت على إرسال بعثة أممية وهذا يعني أنها سوف تخضع لما ينتج عنها , وهذا تغير نوعي في التعامل مع الوضع في سوريا , ويدل على البدء في مغازلة الغرب للحصول على مايمكن الحصول عليه .
     روسيا تفكر الآن جديا بعد الثورات العربية أن تكون أوفر حظا في هذه البلدان والبلدان التي تؤيد هذه الثورات والحصول على مزايا إقتصادية لإستثماراتها وخاصة في مشروعات البنية الأساسية والطاقة , وملخص القول ... ندعو رجالات الثورة في سوريا إلى إدراك حقيقة أن العالم تحركه المصالح , وروسيا ليست خارج هذه الحقيقة ...
     يجب أن تجري المباحثات بين الروس ورجال الثورة السورية من هذا المنطلق , ليطمئن الروس إلى وضعهم المستقبلي , وأن الثورة ليست بعبعا سوف يقضي على مصالحهم , وأن منطق المصالح المشتركة مقبول من قبل الثورة وتعمل من أجله ويجب طمأنتهم على إستثماراتهم في سوريا الموجودة والمستقبلية وأنها ستكون مشمولة بالرعاية وحتى بالنسبة للقاعدة البحرية والقواعد الجوية سوف يتم معالجتها بما يخدم مصالح البلدين .
     يجب على رجال الثورة أن يدركوا هذا المنطق , وأن يسعوا جاهدين ويفسحوا المجال للروس ليفكروا جديا أن التعامل مع الشعوب وممثليها المخلصين هو أمثل وأفضل وأدوم وأقل كلفة من التعامل مع طغاة فاسدين وأنظمة حكم فاشية لايدرى متى تزول .
 
                                                                                أسعد الشامي  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق