هل سيعلن قريباً
ولادة الدولة العلوية على الساحل السوري؟
ولادة الدولة العلوية على الساحل السوري؟
عبد الله زيزان - باحث وكاتب في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
عندما تنقل قناة المنار اللبنانية التابعة لحزب الله والمعروفة بالتصاقها بالنظام السوري الآيل للسقوط خبراً مفاده "أن انتشار 17000 عنصر (إرهابي مسلح) في دمشق قد يجعل القوات المسلحة النظامية تنسحب تكتيكياً إلى الساحل" وذلك نقلاً عن مصدر أمني سوري في التاسع عشر من تموز الحالي كما أوردته صحيفة الشرق الأوسط، فإنّ هذا لا يمكن أن يكون خبراً عادياً يمكن تمريره كغيره من الأخبار، بل هو ربما من أهم وأخطر التسريبات منذ انطلاقة الثورة السورية...
ورغم أنّ مثل هذا الخبر قد يبعث على التفاؤل لثوار سورية لأنّ ذلك يعني نية فلول النظام السوري الانسحاب من دمشق وبالتالي سقوط النظام بشكل كامل، إلا أنّ دلالات هذا الخبر، وما يحتويه من إشارات طائفية خطيرة يجعل من الواجب تناوله بجدية والبحث عما يعنيه في المرحلة القادمة من الصراع في سورية..
فمما لا شك فيه أنّ الكلمة الآن في سورية هي للثوار، وأن النظام يمر بأسوأ مراحل صراعه، بعد أن فقد أكبر رؤوسه الأمنية في الثامن عشر من تموز الحالي، وذلك بعد يومين فقط من بدء معارك دمشق التي كانت بأمس الحاجة لشخصيات كالتي فقدها النظام في هذه الظروف الدقيقة، حيث كان مقتلهم ضربة قاضية لمعنويات مقاتليه مما سهل على الثوار التقدم في كل ساحات القتال من شمال البلاد إلى جنوبها ومن شرقها حتى غربها فضلاً عن تقدمهم في معركتهم الحاسمة في دمشق، فعلى سبيل المثال فإن معارك السيطرة على معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا والمستمرة منذ أكثر من 10 أيام حسمت بعد خبر مقتل القادة الأمنيين في دمشق حيث انهارت معنويات الجيش النظامي هناك مما سهل على الثوار السيطرة عليه وعلى كل المنافذ الحدودية مع العراق بوقت قياسي قصير...
هذا الانهيار المفاجئ لمعنويات القادة العسكريين والسياسيين للنظام السوري قد يسرع سيناريو هروب هؤلاء القادة إلى جبال الساحل السوري ذات الأغلبية العلوية، وربما الإعلان عن دولة علوية جديدة كتلك التي أنشأها الاحتلال الفرنسي عام 1920، وهو السيناريو الذي كان مطروحاً منذ بداية الثورة السورية إلا أنّه لم يكن له ما يدعمه من تصريحات أو مواقف لأركان النظام السوري الذي كان يحاول مراراً وتكراراً نفي البعد الطائفي لحكمه رغم أنّ أفعاله تقول خلاف ذلك.
ما نقلته قناة المنار عن مصدر أمني سوري لا يمكن فهمه على أنّه مجرد تسريبات خاصة حصلت عليها القناة، بل هو على ما يبدو بداية المخطط الأخير لفلول النظام السوري للهرب إلى الساحل السوري وهو أيضاً تمهيد لمؤيدي النظام من أبناء طائفته والمستفيدين منه للخبر القادم بعد أيام أو ربما أسابيع على أكثر تقدير يفيد بسقوط دمشق بيد الثوار والسيطرة على كل أركان الدولة السورية...
والحقيقة أنّ النظام كان يعد لمثل هذا اليوم منذ فترة ليست بالقصيرة، وذلك من خلال تركيزه بالقصف على مدن ساحلية كالحفة وغيرها، وعلى مناطق في حمص، وذلك لتهجير أهالي تلك المناطق تمهيداً منه على ما يبدو لبناء دولته، لكن على مساحة جغرافية أكبر من تلك التي منحها الفرنسيون لهم في عشرينيات القرن الماضي، إلا أنّ ضربات الثوار الموجعة والمباغتة بعثرت أوراق النظام وأفشلت جزءاً من مخططاته...
إلا أنّ خطر إقامة مثل تلك الدويلة ما زال قائماً ويشكل خطورة كبيرة على مستقبل سورية فيما لو تهاون الثوار في مثل هذا الطرح، واكتفوا بانتصاراتهم في دمشق وغيرها ولم يكملوا طريقهم إلى كل شبر في سورية بما فيها مناطق الساحل، فرغم أنّ دويلة علوية صغيرة في محيط سني واسع يصعب التفكير باستمرارها، إلا أنّ وجود داعم قوي كإيران وإسرائيل قد يمدها بكل سبل الحياة والاستمرار رغم ضعف إمكانات وموارد دويلة كهذه...
فإيران التي باتت تعلم أكثر من أي وقت مضى أنّ حليفها في دمشق في طريقه إلى الانهيار لا بد لها من خطة جديدة لتبقي لنفسها موطئ قدم في سورية الحديثة التي يعني استقرارها بيد الوطنيين من أبنائها ضربة لمشروعها التوسعي الذي بذلت من أجله مليارات الدولارات على مدى عشرات السنين، وقد ظنت أنّها على بعد خطوات من تحقيق حلمها التوسعي بعد سيطرتها على العراق ولبنان، وقدرتها على تحريك عملائها في الخليج واليمن...
إنّ خطورة إنشاء دولة علوية على الساحل السوري لتكون خاصرة رخوة للدولة السورية المستقبلية لا يقل عن خطورة إنشاء دولة الصهاينة عام 1948 التي باتت خاصرة رخوة لكل العرب والمسلمين، فرغم أنّ أبناء الشعب السوري هم أبعد ما يكونون عن الطائفية والعنصرية وكان ذلك واضحاً في هتافاتهم في مظاهراتهم اليومية، إلا أنّ قدرة قادة النظام السوري على الشحن الطائفي لطائفتهم قد يجعلهم ينجحون بإقناع العلويين بضرورة الانفصال عن سورية، بتخويفهم على مصيرهم في ظل صعود وطنيين لسدة الحكم في سورية...
وعليه فإنّ من الواجب على المعارضة السورية بجناحيها العسكري المتمثل بالجيش الحر والسياسي المتمثل بالمجلس الوطني، أخذ هذا السيناريو على محمل الجد، والبدء مباشرة بوضع خطط واقعية لإفشال هذا المخطط، فعلى المجلس الوطني العمل على تحييد أبناء الطائفة العلوية من خلال تأكيده في وسائل الإعلام على أنّ القصاص سيكون فقط من المجرمين من أبناء هذه الطائفة تماماً كما سيكون القصاص من المجرمين السنّة والمسيحيين وغيرهم من المجرمين الذين تلطخت أيديهم بدماء السوريين، ولن يكون العقاب جماعياً لكل أبناء الطائفة، كما يجب على الجيش الحر إعداد خططه العسكرية الآن وليس بعد سقوط دمشق لفرض سيطرته على كل التراب السوري... فالعمل بعد عودة دمشق ليد أبنائها سيكون أكثر مشقة من العمل قبله، فالتحديات كبيرة، وعيون العالم متوجهة على سورية، والمؤامرات تحيط بهذا البلد من كل حدب وصوب، وكلٌ يبحث له عن حصة من هذه الكعكة، ولكن وعي الشعب السوري وإصراره على بناء دولته الحديثة سيسقط كل هذه الرهانات وكل تلك المؤامرات...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق