الثلاثاء، 24 يوليو 2012

مبادرة أنان إلى أين


مبادرة أنان إلى أين؟!
 
       جاءت خطة المبعوث المشترك لجامعة الدول العربية والأمم المتحدة كوفي أنان التي وافق عليها النظام السوري، بعد سلسلة من المبادرات والمهل المتتالية المقدمة من المجتمع الدولي بأكثر من صيغة وسيناريو للنظام، للخروج من الأزمة السورية وعلى رأسها مبادرة جامعة الدول العربية التي استطاع النظام الخروج منها دون أي تغيير في موقفه بل أعقبها ازدياد في معدل الشهداء اليومي وتصاعد في وتيرة العنف.
          هذه المبادرة ببنودها الستة الداعية إلى الالتزام بوقف إطلاق النار، وسحب الآليات العسكرية من المدن السورية، وإنهاء العنف المسلح، ودخول المساعدات، فضلا عن اطلاق سراح المعتقلين السياسيين في السجون، والسماح لوسائل الإعلام بالتحرك الحر في المدن، واحترام حق التظاهر السلمي وإجراء حوار سياسي مع المعارضة.. تدفعنا للتساؤل عن مدى تجاوب النظام معها من ناحية .. وما الذي يمكن فعله حال رفضه وعدم الالتزام بها من ناحية اخرى.
          وعلى نقيض تعامل النظام مع المبادرة العربية التي رفضها بداية الأمر (لكونها تمس سيادة الوطن!) لاقت مبادرة أنان ترحيبا من النظام وروسيا والصين اللتين حمتاه لمرتين متتاليتين حين رفعتا الفيتو في مجلس الأمن الدولي، مع أنّ الناظر لبنود المبادرة الست يجد أنّ هناك تراجعا سياسيا في أمور كان يعتبرها النظام إلى حد قريب خطا أحمرا وتدخلا سافرا في الشؤون الداخلية ولا يمكن التنازل عنها بحال، لكن ما يهمّ  الأن هو خطواته على الأرض وتحويل أقواله إلى أفعال .
          إن المتمحّص لموقف النظام من هذه المبادرة والحراك السياسي بعدها سواء كان من النظام أم المجتمع الدولي يجد أن هناك مزيدا من الضغط والتكذيب الدولي له، إلى جانب تصعيده للعنف من جهة والإمعان في الكذب والمراوغة والتضليل الإعلامي من جهة اخرى، وجاءت هذه المبادرة لتكون الفرصة الأخيرة لخروجه من مأزق الحل الأمني/ العسكري الذي انتهجه، وقد دللت مبادرة أنان على أن هذا الحل مرفوض وليس نافذاً، وبرهن النظام أنه أعجز من أن يكسب الحرب حتى وإن ربح بعض معاركها وجولاتها، وأن المبادرات التي تقدم له لن تصلح حلا سياسيا يفرض عليه ولن تقدّم أو تؤخر من موقفه الداخلي والخارجي بدليل:
أولا: تعامله مع المبادرات السابقة، التي لاحظ المجتمع الدولي عدم التزامه بها، ومماطلته من أجل كسب مزيد من الوقت لحصد أكبر عدد ممكن من الشعب السوري، وارتكاب عدد آخر من المجازر، في سبيل القضاء على الثورة واخمادها.
ثانيا: فقدانه للسيطرة على الدولة إلا من الناحية الأمنية والازدياد المطرد في أعداد المتظاهرين وانتشار الثورة عموديا وأفقيا في شتى أنحاء سورية وهو ما يعني أن وقف آلة القتل والدمار هي بداية النهاية لهذا النظام .
ثالثاً: عودة معدل ارتقاء الشهداء إلى طبيعته بعد أن انخفض في اليومين الأولين من بدء وقف إطلاق النار، إلى جانب تعامله الأمني الدموي مع المتظاهرين ومواصلة قصف المدن الثائرة .
رابعاً: انسحاب الجنرال النرويجي روبرت مود المكلف برئاسة بعثة المراقبين في سوريا من المهمة من دون إعلان الأسباب، وهو الأمر الذي يثير شكوكا عديدة حول الضغوط التي مورست عليه.
خامسا: كون المبادرة لا تلبي رغبات النظام الذي اعتاد القمع والسلطوية واستعباد شعبه، فكيف يكون ذلك إذا استجاب لها  أو لغيرها، وبالتالي يتوقع أن يكون مصيرها كسابقاتها.
سادسا: عدم جدية المجتمع الدولي في إسقاط النظام دون الحصول على بديل يؤمن مصالحه، بدليل أنه مضى على الثورة أكثر من 400 يوم ولم يرغب - رغم استطاعته - في إيقاف مذابح النظام. وربما يرجع ذلك الى الرغبة في  إطالة فترة الصراع داخل البلد لخدمة الكيان الصهيوني؛ حيث أن استمرار الصراع يترتب عليه انهيار سياسي واقتصادي وعسكري واجتماعي داخل البلد، وبالتالي لن تقوم له قائمة إلا بعد عشرات السنين وهذا ما يريده الصهاينة
          اذًا على الشعب السوري عدم الرهان على المجتمع الدولي في نصرة قضيته، ، وإنما لا بد من التركيز على أبنائه في  الداخل والخارج لكي يكون لهم دور فاعل في نصرة القضية، سواءً ماليا عن طريق إنشاء صندوق تبرعات لضحايا الداخل، أو سياسيا عبر التواصل مع القوى السياسية في البلاد التي يقطنون بها، أو إعلاميا من خلال التواصل تحديدا مع الفضائيات العالمية التي تلعب دورا لا يستهان به في التأثير على صانعي القرار الدوليين.


د. عبد الناصر تعتاع
مركز أمية للبحوث والدراسات
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق