15 مارس 2012 / 22 ربيع الثاني 1433
مجازر نظام الأسد.. سياسةٌ ممنهجة
الذي يمعن النظر في مجازر نظام الأسد وتعامله الدموي منذ بداية الثورة لا يرى فيها تخبطا في التعامل مع الثورة بالقدر الذي يجد فيه قتلا ممنهجا يسير وفق سياسات واضحة تخضع لعدة عوامل، أهمها داخليا فقدانه السيطرة على البلاد، وعوامل خارجية نابعة من صمت المجتمع الدولي على مجازره وتعامله الشبيه بالصمت والذي لا يخرج عن التنديد وفرض العقوبات التي تزيد من إرهاب القاتل ولا تنتصر للمقتول ، لذلك رأينا أن هناك معدلاً متقارباً لأعداد الشهداء في الأيام العادية ، وكذلك في الجُمع ، يختلف من شهر لآخر ومن مدينة إلى أخرى ، وكذلك كانت المجازر .
فقدان السيطرة مقدمة لارتكاب المجازر
في العامل الداخلي، نلاحظ أنه منذ استلم نظام الأسد زمام الحكم بالانقلاب العسكري الذي قام به الأب حافظ الأسد في نوفمبر 1970 فيما عرف باسم الحركة التصحيحية، فرض النظام سيطرته بركنين أساسيين هما: القوة المتأتية من السيطرة الأمنية والاستخباراتية، وثانيهما التضليل الذي مارسه تحت كذبة المقاومة والممانعة والقومية العربية. ولا شك أن هذين الركنين برزا بشكل فاقع منذ انطلاقة الثورة وكلما ازدادت مخاوف انهيار النظام زاد اعتماده عليهما، ببشاعة المجازر لإظهار قوته أولا ، وباتهام ما أطلق عليها اسم "العصابات المسلّحة" لتحقيق المزيد من التضليل الذي يخفي خلفه حقيقة نظام طائفي ليس عنده أيّ مقوّمات للشرعية، ولم يكن إلا يدا يمنى للمستعمر الذي استلم منه - على طبق من ذهب- أرضا تعجز الحروب الطاحنة عن احتلالها ، وشعبا يفضّل الموت على الخنوع والمذلّة، وقد بدا له بشكل واضح وجلي أن من يحكمه ليس إلا امتداداً للاحتلال .
إنّ صحوة الشعب وما حمله الوعي الجمعي من اتساع رقعة الثورة، وازدياد الانشقاقات داخل الجيش والحهاز الحكومي، ومن ثمّ سيطرة الجيش الحر على بعض المناطق المحرّرة، كان سببا رئيسيا لجنون وهستيريا النظام وارتكابه للمجازر التي لا يتخيّلها إنسان بحق المدنيين الذين اعتاد على ترويعهم وإرهابهم وحكمهم بالقوة؛ إذ إن فقدانه السيطرة على منطقة ما تعني إضعاف ركن أساسي من أركان ثباته وهو سيطرته الأمنيّة التي لم يستطع حكم البلاد إلا بإرهاب العباد بها، لذلك رأيناه لا يبالي بحجم وشكل المجازر سواء كانت ذبحا بالسكين أم قصفا بالمدافع أيّا كان المذبوح طفلا أو أمراة أو كهلا .
صمت دولي ودعم طائفي
أما في العامل الدولي فقد كانت هناك عدة أدلّة على التواطؤ الدولي مع النظام وليس أدلّ على ذلك من استقباله زيارة كوفي عنان بمذبحتي كرم الزيتون والعدويّة مؤخرا، وارتكاب المجازر في حمص وقصفها بالصواريخ والأسلحة الثقيلة في نفس اليوم الذي اجتمع فيه مجلس الأمن للتصويت على قرار ضد النظام السوري ، استخدم ضده الفيتو الروسي الصيني، وغيرها الكثير من المجازر التي يدلّ ارتكابها في توقيتها على أنّها تمّت بعد اطمئنان من جانب النظام برضا وصمت دوليين سواءً ما كان من فوق الطاولة السياسية كما يبدو من روسيا والصين أو من تحتها والذي يقف خلفه اسرائيل واللوبي الصهيوني في أمريكا الذي لا ينظر إلى الأحداث إلا بعدسات إسرائيلية ترى في سقوط نظام الأسد خطرا جسيما يهدد كيانها، ويمنحه بالمقابل فرصا حمراء لاستعادة السيطرة على البلاد .
والبصمات الطائفية في مجازر نظام الأسد ظهرت بقوّة : فقبل المجازر الميدانية كان هناك مجزرة سياسية متمثّلة بالدعم السياسي واللوجستي والعسكري من الهلال الشيعي لهذا النظام ، والدلائل على اشتراك الميليشيات الطائفية مثل الصدر العراقية وحزب الله اللبنانية والباسيج الإيرانية أكثر من أن تحصى، ولعلّ طريقة التعامل الوحشيّة مع المتظاهرين بالاغتصاب والحرق والذبح بالسكين تذكّرنا بمذابح الفلسطينيين في لبنان وبما لقيه أهل السنة في العراق من بعض هذه الميليشيات والاتجاه اليميني الايديولوجي المتطرّف الذي يحكمها ويوجهها منذ بداية الثورة الإيرانية والذي أخذ على عاتقه منذ انطلاقة الثورة السورية الدفاع عن نظام الأسد بأي ثمن مهما كانت الطريقة .
الطائفية التي عمد هذا النظام على تأجيجها منذ بداية الثورة كانت لهدفين رئيسيين هما الاحتماء بالطوائف تحت مسمى حمايتها من الإرهاب السني القادم وقد نجح إلى حد ما في تحقيق هذا الهدف بدليل عدم التحاق معظم الطوائف بالثورة داخليا وخشية المجتمع الدولي من اندلاع حرب طائفية إقليمية في المنطقة وترك الساحة لتعامل النظام الهمجي الإرهابي مع الثورة من خلال القتل الممنهج والمجازر التي كانت السبب الثاني من دواعي تأجيج الطائفية للنظام لأنّه استطاع باسم دفاعه عنها ارتكاب أفظع وأقسى المجازر .
بعد هذا كلّه يطرح سؤالٌ نفسه بقوة ، وهو أننا إذا عرفنا أن قتل النظام قتلٌ ممنهج ، وأنه وصل في استخدامه لركن القوة والعنف المتأتّي من تهديد وجوده إلى حد يسمح له ارتكاب أقسى وأعنف المجازر المصحوبة بصمت وخوف دوليين من التدخل ، وبدعم إقليمي طائفي ،ما هي استراتجيات التعامل مع هذا النظام وهوسؤال ّموجّه للعرب ودول الخليج خاصة ، وقبله للثورة السورية بأركانها الثلاثة : الشعب والمجلس وذراعه السياسية المتمثلة بالمجلس الوطني والعسكرية التي يذود عن حماها الجيش السوري الحر ؟.
عبد الرحمن الشردوب – باحث في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق