رهان الغرب على إنهاك الشعب السوري
عبد الله زيزان - باحث وكاتب في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
يوماً بعد الآخر تتطور الأحداث في سورية بصورة دراماتيكية سريعة، فلا يمر يوم كسابقه، ولا أسبوع كالذي يليه، ورغم سرعة التطورات هذه لا يستطيع أي محلل سياسي أو عسكري التنبؤ بليلة سقوط بشار الأسد بكامل أجهزة نظامه، رغم اتفاق الجميع على أنّ هذا السقوط لا مفر منه وأنّ هذا النظام يخسر يومياً أكثر مما يكسب، فالانشقاقات تتزايد وبصورة نوعية هذه الفترة، والمناطق الخارجة عن سيطرته تتوسع وبصورة ملحوظة...
ورغم أنّ كل هذه المعلومات لا تخفى على أجهزة الاستخبارات الغربية ولا سيّما الأمريكية منها إلا أنّ ردود أفعال هذه البلاد لا تصل إلى مستوى الحدث في سورية، فتصريحاتهم النارية لم تقترن بأفعال ملموسة تغير من واقع مجريات الأحداث هناك، وبات الجميع في سورية يشعرون أنّ هذه التصريحات للاستهلاك المحلي لبلدانهم، وللظهور بصورة المؤيد للحرية والديموقراطية التي يتغنى فيها الغرب ليل نهار ويجد نفسه مضطراً لدعمها في سورية وغيرها من بلدان الربيع العربي.
إنّ خذلان الغرب للشعب السوري لا يمكن فهمه على أنّه مجرد سوء تقدير للموقف أو على أنّه عجز عن تقديم الحلول الحقيقية المؤثرة، أو أنّ الفيتو الروسي الصيني يمنعهم من التقدم بخطوات ملموسة على طريق إيجاد حل نهائي لما يحدث في سورية، فالواقع أنّ الغرب يملك مفاتيح عدة لحل الأزمة بطرق مباشرة أو غير مباشرة، إلا أنّه يخشى من اليوم الذي يلي سقوط النظام..
ففي الوقت الذي عجز فيه الغرب عن إيجاد بديل قوي للنظام الحالي يستطيع حماية المصالح الغربية والجارة الصهيونية، يرى الغرب أنّه من الخطر تسليم البلاد لأبناء شعبه الغيورين عليه والحريصين على كل شبر منه وكل مورد من موارده، خاصة أنّ سقوط النظام في سورية وبخلاف دول الربيع العربي الأخرى سيكون سقوطاً كاملاً بكل أجهزته الأمنية والسياسية، وبالتالي سيفقد الغرب وبصورة مفاجئة كل الاتفاقيات والضمانات التي منحها إياهم النظام الحالي على مدار عقود مضت...
شعور الغرب بخروج سورية ما بعد الأسد عن طوعهم، واحتمالات وصول وطنيين شرفاء إلى سدة الحكم فيها يدفعهم إلى التفكير بإشغال الشعب بنفسه، ولا يكون ذلك إلا بإنهاكه وتدمير البنى التحتية للدولة ككل، وهذا تماماً ما يحدث هذه الأيام في سورية، فحين ننظر إلى حجم الدمار في حمص أو إدلب أو درعا أو حماة أو غيرهم من المدن التي فقدت الكثير من البنى التحتية إن لم نقل كل بناها التحتية في بعض الحالات، سيشعر حينها الكثير من المتابعين بأنّ سورية بحاجة إلى سنين طويلة للعودة فقط إلى نقطة الصفر فضلاً عن الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة، وإذا ما نظرنا إلى حجم المشكلات الاجتماعية التي خلفتها آلة القمع الأسدية، سيظن كثيرون أننا بحاجة إلى عقود لإصلاح ما أفسدته أيادي الغدر والجريمة في سورية...
إنّ مسار التفاعل الدولي مع الأحداث في سورية منذ انطلاقة الثورة حتى يومنا هذا، وما يحتويه من بطئ وتلكؤ ومهل متكررة، يصعب فهمه إلا من خلال أنّ الحكومات الغربية ترى فيما يحدث في سورية من تدمير وتقتيل خدمة لمصالحها على المدى القريب والمتوسط، مما سيتيح لها الوقت الكافي للتخطيط بما يخدم مصالحها على المدى البعيد، فأي حكومة ستدير البلاد ما بعد الأسد ستكون إحدى أهم أولوياتها إعادة الإعمار، وإصلاح ما أفسده النظام في شهور الثورة، ولن تكون قادرة على التفكير بخوض حرب أو استعادة أرض...
ويدل على ذلك ما وصل لأيد الثوار من أسلحة عادلت كفة ميزان القوى دون أن ترجح إحدى الكفتين، ما يمد في عمر الصراع ولا ينهيه، فالأسلحة الجديدة التي وصلت مؤخراً ليد الثوار لا تكفي لإسقاط النظام، وهذا يعزز فرضية رهان أمريكا وحلفائها على إنهاك الشعب وإنهاك كل القوى على الساحة السورية، وتدمير البنى التحتية للبلاد، فقد أكدت صحيفة ذي تايمز البريطانية في السادس والعشرين من حزيران الماضي أنّ الأسلحة التي دخلت مؤخراً للداخل السوري كانت بموافقة أمريكية ولجهات مختارة فقط من الثوار، مما يعني أنّ الحرب ستطول وأنّ أمريكا تريد لكفتي ميزان القوة في الداخل أن تتعادلا، لا أن ترجح إحداهما على الأخرى...
إلا إنّ هذا الرهان محفوف بالكثير من المخاطر، لأن إطالة أمد الثورة وتدمير البلاد وإنهاك العباد قد تأتي بنتائج عكسية تتعارض ومصالح الغرب في المنطقة، فالبيئة المضطربة في سورية ستتيح المجال للفوضى، التي ستصل يوماً ما إلى حدود الجولان، وحينها لن تكون هناك جهة تستطيع حماية تلك الحدود التي دأب آل الأسد على حمايتها لعشرات السنوات، ثم إنّ هذا الرهان يسقط من حساباته المفاجآت اليومية التي تغير الواقع على الأرض بشكل كبير قد تصل ذات يوم إلى سقوط النظام بشكل غير متوقع، كما أنّ التعويل على حرب أهلية كنتاج طبيعي لطول فترة الصراع وتزايد الإجرام بحق الأبرياء لا يمكن الوثوق به، وذلك بعد أن أثبت الشعب حتى اللحظة ضبطاً كبيراً للنفس، ولم ينزلق إلى هذه الحرب التي روّج لها القريب والبعيد...
والمعلوم أن حجم الدمار الذي لحق بالبشر والحجر سيوصل شريحة من الشعب للشعور بأن لم يبق له ما يخسره، وهذا الشعور يحول الفرد إلى قنبلة موقوتة قد تنفجر بأي لحظة وبأي مكان، مما قد يشكل خطراً حقيقياً للمنطقة ككل بما لا يخدم مصالح الغرب...
والأهم من هذا كله، أنّ تفاعل الأحداث على المستوى الدولي أوصل الثوار في سورية إلى نتيجة مفادها أنّ الاعتماد على الدعم الخارجي لن يحل قضيتهم، وأنّ عليهم الاعتماد على ذاتهم وعلى ما يغنمون من الطرف الآخر، فهم ماضون في طريقهم دون النظر إلى الخلف، مما سيفشل كل المخططات الغربية المشبوهة والتي لن تحرف بوصلة الثوار نحو إسقاط النظام كاملاً بأجهزته الأمنية والسياسية، وعدم الاكتفاء بإزاحة بشار وحده كما يتردد في الآونة الأخيرة من مبادرات وخطط لنقل "سلمي" للسلطة..
ورغم أنّ كل هذه المعلومات لا تخفى على أجهزة الاستخبارات الغربية ولا سيّما الأمريكية منها إلا أنّ ردود أفعال هذه البلاد لا تصل إلى مستوى الحدث في سورية، فتصريحاتهم النارية لم تقترن بأفعال ملموسة تغير من واقع مجريات الأحداث هناك، وبات الجميع في سورية يشعرون أنّ هذه التصريحات للاستهلاك المحلي لبلدانهم، وللظهور بصورة المؤيد للحرية والديموقراطية التي يتغنى فيها الغرب ليل نهار ويجد نفسه مضطراً لدعمها في سورية وغيرها من بلدان الربيع العربي.
إنّ خذلان الغرب للشعب السوري لا يمكن فهمه على أنّه مجرد سوء تقدير للموقف أو على أنّه عجز عن تقديم الحلول الحقيقية المؤثرة، أو أنّ الفيتو الروسي الصيني يمنعهم من التقدم بخطوات ملموسة على طريق إيجاد حل نهائي لما يحدث في سورية، فالواقع أنّ الغرب يملك مفاتيح عدة لحل الأزمة بطرق مباشرة أو غير مباشرة، إلا أنّه يخشى من اليوم الذي يلي سقوط النظام..
ففي الوقت الذي عجز فيه الغرب عن إيجاد بديل قوي للنظام الحالي يستطيع حماية المصالح الغربية والجارة الصهيونية، يرى الغرب أنّه من الخطر تسليم البلاد لأبناء شعبه الغيورين عليه والحريصين على كل شبر منه وكل مورد من موارده، خاصة أنّ سقوط النظام في سورية وبخلاف دول الربيع العربي الأخرى سيكون سقوطاً كاملاً بكل أجهزته الأمنية والسياسية، وبالتالي سيفقد الغرب وبصورة مفاجئة كل الاتفاقيات والضمانات التي منحها إياهم النظام الحالي على مدار عقود مضت...
شعور الغرب بخروج سورية ما بعد الأسد عن طوعهم، واحتمالات وصول وطنيين شرفاء إلى سدة الحكم فيها يدفعهم إلى التفكير بإشغال الشعب بنفسه، ولا يكون ذلك إلا بإنهاكه وتدمير البنى التحتية للدولة ككل، وهذا تماماً ما يحدث هذه الأيام في سورية، فحين ننظر إلى حجم الدمار في حمص أو إدلب أو درعا أو حماة أو غيرهم من المدن التي فقدت الكثير من البنى التحتية إن لم نقل كل بناها التحتية في بعض الحالات، سيشعر حينها الكثير من المتابعين بأنّ سورية بحاجة إلى سنين طويلة للعودة فقط إلى نقطة الصفر فضلاً عن الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة، وإذا ما نظرنا إلى حجم المشكلات الاجتماعية التي خلفتها آلة القمع الأسدية، سيظن كثيرون أننا بحاجة إلى عقود لإصلاح ما أفسدته أيادي الغدر والجريمة في سورية...
إنّ مسار التفاعل الدولي مع الأحداث في سورية منذ انطلاقة الثورة حتى يومنا هذا، وما يحتويه من بطئ وتلكؤ ومهل متكررة، يصعب فهمه إلا من خلال أنّ الحكومات الغربية ترى فيما يحدث في سورية من تدمير وتقتيل خدمة لمصالحها على المدى القريب والمتوسط، مما سيتيح لها الوقت الكافي للتخطيط بما يخدم مصالحها على المدى البعيد، فأي حكومة ستدير البلاد ما بعد الأسد ستكون إحدى أهم أولوياتها إعادة الإعمار، وإصلاح ما أفسده النظام في شهور الثورة، ولن تكون قادرة على التفكير بخوض حرب أو استعادة أرض...
ويدل على ذلك ما وصل لأيد الثوار من أسلحة عادلت كفة ميزان القوى دون أن ترجح إحدى الكفتين، ما يمد في عمر الصراع ولا ينهيه، فالأسلحة الجديدة التي وصلت مؤخراً ليد الثوار لا تكفي لإسقاط النظام، وهذا يعزز فرضية رهان أمريكا وحلفائها على إنهاك الشعب وإنهاك كل القوى على الساحة السورية، وتدمير البنى التحتية للبلاد، فقد أكدت صحيفة ذي تايمز البريطانية في السادس والعشرين من حزيران الماضي أنّ الأسلحة التي دخلت مؤخراً للداخل السوري كانت بموافقة أمريكية ولجهات مختارة فقط من الثوار، مما يعني أنّ الحرب ستطول وأنّ أمريكا تريد لكفتي ميزان القوة في الداخل أن تتعادلا، لا أن ترجح إحداهما على الأخرى...
إلا إنّ هذا الرهان محفوف بالكثير من المخاطر، لأن إطالة أمد الثورة وتدمير البلاد وإنهاك العباد قد تأتي بنتائج عكسية تتعارض ومصالح الغرب في المنطقة، فالبيئة المضطربة في سورية ستتيح المجال للفوضى، التي ستصل يوماً ما إلى حدود الجولان، وحينها لن تكون هناك جهة تستطيع حماية تلك الحدود التي دأب آل الأسد على حمايتها لعشرات السنوات، ثم إنّ هذا الرهان يسقط من حساباته المفاجآت اليومية التي تغير الواقع على الأرض بشكل كبير قد تصل ذات يوم إلى سقوط النظام بشكل غير متوقع، كما أنّ التعويل على حرب أهلية كنتاج طبيعي لطول فترة الصراع وتزايد الإجرام بحق الأبرياء لا يمكن الوثوق به، وذلك بعد أن أثبت الشعب حتى اللحظة ضبطاً كبيراً للنفس، ولم ينزلق إلى هذه الحرب التي روّج لها القريب والبعيد...
والمعلوم أن حجم الدمار الذي لحق بالبشر والحجر سيوصل شريحة من الشعب للشعور بأن لم يبق له ما يخسره، وهذا الشعور يحول الفرد إلى قنبلة موقوتة قد تنفجر بأي لحظة وبأي مكان، مما قد يشكل خطراً حقيقياً للمنطقة ككل بما لا يخدم مصالح الغرب...
والأهم من هذا كله، أنّ تفاعل الأحداث على المستوى الدولي أوصل الثوار في سورية إلى نتيجة مفادها أنّ الاعتماد على الدعم الخارجي لن يحل قضيتهم، وأنّ عليهم الاعتماد على ذاتهم وعلى ما يغنمون من الطرف الآخر، فهم ماضون في طريقهم دون النظر إلى الخلف، مما سيفشل كل المخططات الغربية المشبوهة والتي لن تحرف بوصلة الثوار نحو إسقاط النظام كاملاً بأجهزته الأمنية والسياسية، وعدم الاكتفاء بإزاحة بشار وحده كما يتردد في الآونة الأخيرة من مبادرات وخطط لنقل "سلمي" للسلطة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق