الثلاثاء، 24 يوليو 2012

تضخيم حجم القوة العسكرية السورية لمصلحة من؟


20 مارس 2012 / 27 ربيع الثاني 1433

"جيش الأسد من أقوى جيوش المنطقة" بهذه الكلمات يصف مسؤولون بارزون في جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية الكتائب الأسدية في تسريبات لهم في الحادي عشر من مارس الحالي، لتضاف هذه التسريبات إلى مجموعة أخرى من التصريحات التي تصدر من مؤسسات عسكرية أمريكية تصف فيها القوة التي تتمتع بها الكتائب الأسدية، فهي، بحسب التقديرات الغربية، تفوق كتائب القذافي عدة مرات، والدفاعات الجوية تفوق الدفاعات الجوية للقذافي بأربع أو خمس مرات، علماً أن مساحة سورية تمثل عُشر مساحة ليبيا. وهناك الكثير من المقارنات التي تسربها جهات مسؤولة في الإدارة الأمريكية حين الحديث عن تدخل عسكري في سورية.

لماذا تضخيم القوة العسكرية السورية؟
هذه التسريبات تدفعنا للتساؤل، هل بالفعل تتمتع الكتائب الأسدية بهذه القوة؟ ولماذا في هذا التوقيت يتم طرح الموضوع، هل هناك من تضخيم لحجم الآلة العسكرية السورية؟ ولمصلحة من؟
الجيش السوري الآن بأضعف حالاته، فهو منقسم على نفسه، بين مؤيد للنظام، وهم القلة المستفيدة من النظام بشكل مباشر، أو الذين يخشون على أنفسهم من الحساب بعد سقوط النظام لعلمهم بما ارتكبوه من جرائم في حق الشعب السوري، وبين مؤيد للثورة سواء أكان منشقاً فعلياً أو ينتظر اللحظة المناسبة للانشقاق، وهؤلاء يشكلون الأكثرية في الجيش السوري الذي يضم في رتبه الصغيرة أكثرية من أهل السنة ومن الطوائف والأعراق الأخرى، وهؤلاء في حكم المنشقين مع وقف التنفيذ، علماً بأن الجيش السوري بأفضل أحواله لم يكن يشكل تهديداً حقيقياً لا للجارة الصهيونية التي استباحت الأجواء السورية كلما أرادت ذلك، ولا للجارة التركية، التي حين هددت حافظ الأسد في عام 1998 بأن قواتها ستكون خلال 72 ساعة في قلب دمشق كان الرد السوري سريعاً جداً بتسليم عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني لتركيا.
فإذا كان الجيش السوري ضعيفًا وهو في أفضل أحواله تماسكاً، فكيف له أن يكون قوياً في ظل الظروف الراهنة، مع انتشار آلياته في طول البلاد وعرضها، وبعد أن أنهك الجندي السوري الذي حرم من إجازاته نتيجة ضغط الثوار في عموم سورية، وبعد الانشقاقات التي حدثت، والتي يمكن أن تحدث في أي لحظة؟.. إن مقارنة قوة الدفاعات الجوية السورية مع القوة الجوية الغربية يعد مثاراً للسخرية والتندر...
ولو تتبعنا تصريحات المسؤولين الأمريكيين التي تتحدث عن قوة النظام السوري وتفوقه على نظيره الليبي، سنجد أنها تتزامن في كل مرة مع ارتفاع الأصوات المطالبة بتدخل عسكري في سورية، وهو ما يفهم على أحد وجهين، فإما أنّ الإدارة الأمريكية تريد تبرير تخاذلها حتى اللحظة وتأخرها في حسم القضية السورية بحجة قوة  النظام، أو أنها تريد تعظيم التكلفة المادية التي سترافق أي عمل عسكري في سورية، وبالتالي على الدول العربية عامة والخليجية خاصة التي ترى ضرورة التدخل العسكري أن تعلم أن فاتورة هذا التدخل لن تكون بسيطة..

تبرير للتخاذل الغربي
فأما تبرير الإدارة الأمريكية لتخاذلها في الملف السوري فهو ملاحظ منذ انطلاقة الثورة السورية، فهي توجد لنفسها المبررات لعدم التدخل الفاعل في سورية، فقد اختبأت الإدارة الأمريكية وراء حجة أن الشعب السوري هو من لا يريد التدخل الخارجي، وحين رفع الثوار في الداخل أن الحظر الجوي مطلبنا، اختبأت الإدارة الأمريكية خلف الفيتو الروسي الصيني، والمعلوم أن روسيا لا تريد إلا ثمناً يماثل تنازلها عن منطقة نفوذها الأخير في المنطقة وهو ما لم تعطه إياها الولايات المتحدة، لتأتي أخيراً الإدارة الأمريكية بذريعتها الجديدة المتمثلة بقوة الجيش السوري مقارنة بكتائب القذافي.

تعظيم تكلفة التدخل الخارجي 
وأما الغاية الأخرى من تضخيم القوة العسكرية لكتائب الأسد ففيها على ما يبدو رسالة إلى من يهمه الأمر، أن تدخلاً أمريكياً في سورية سيكلف الكثير، ومن يشعر بضرورة هذا التدخل فعليه أن لا يتردد بدفع تكاليفه، ويعزز هذه الفرضية أن التسريبات الأخيرة جاءت في الوقت الذي بدأ فيه الخليجيون يشعرون بالقلق من تطور الأحداث هناك، ومدى التدخل الإيراني في سورية، حيث باتت دعواتهم أكثر وضوحاً بضرورة دعم المعارضة عسكرياً بتسليح الجيش الحر ودعمه مادياً ومعنوياً...
إذًا، الحديث عن قوة الكتائب الأسدية لا يعدو أكثر من تضخيم لواقع يثبت ضعف هذه الكتائب لا قوتها، خاصة مع ما تعانيه من تشتت لجهودها في طول البلاد وعرضها، وما يريده الأمريكيون من هذا التضخيم هو التستر على خذلانهم للشعب السوري، بل والتواطؤ مع النظام خوفاً من سقوطه الذي يخيف الجارة الصهيونية التي تعايشت - برخاء كبير - مع هذا النظام "الممانع".

 
م. عبد الله زيزان
 باحث وكاتب في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق